أبي طالب وعبد الله بن عمر ووائل بن حجر - رضي الله عنهم - فشرع يجيب عن ذلك جميعه ردًّا لما ادعوا من أولوية العمل بها لصحتها واستقامتها، فقال: أما ما روي عن علي - رضي الله عنه - وهو الذي رواه عنه عبيد الله بن أبي رافع المذكور في أول الباب، بيان ذلك: أن عليًّا - رضي الله عنه - وإن كان قد روي عنه ما يدل على رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه، فقد روي عنه أيضًا ما ينافي ذلك ويعارضه فإن عاصم بن كليب روى عن أبيه:"أن عليًّا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد" فهذا يدل على أنه لا رفع لليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، ويدل أيضًا على أن حديث عبيد الله بن أبي رافع عنه الذي رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد على وجهين:
إما أن يكون سقيمًا في نفسه ولا يكون في ذكر الرفع أصلًا كما قد رواه غير ابن أبي الزناد مثل حديث ابن أبي الزناد في الإسناد والمتن، وليس فيه الرفع في شيء من ذلك، وهو الحديث الذي رواه عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي كما نبينه عن قريب.
فإن كان هذا محفوظًا يكون حديث ابن أبي الزناد خطأ بالضرورة، فحينئذ لا تقوم حجة بحديث خطإٍ في نفسه.
وإما أن يكون ما رواه ابن أبي الزناد صحيحًا بحيث أنه زاد على ما روى غيره، فحينئذ يكون منسوخًا. لأن عليًّا - رضي الله عنه - لا يجوز له أن يرى النبي - عليه السلام - يرفع، ثم يترك هو الرفع بعده، ولا يجوز له ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ الرفع في غير تكبيرة الإحرام؛ لأن هذا هو حسن الظن بالصحابة، وهو أن يحمل مثل هذا على أنه علم انتساخ حكم الحديث فلذلك عمل أو أفتى بخلافه ومتى ما لم يحمل على هذا الوجه يلزم من ذلك إما أن يكون ذلك عن غفلة ونسيان، وإما أن يكون على وجه قلة المبالاة والتهاون بالحديث وكل واحد منهما محال في حق الصحابة؛ لأن في الأول شهادة مغفل وشهادة المغفل لا تكون حجة فكذلك خبره، وفي الثاني يلزم الفسق والفاسق لا تقبل روايته أصلًا، والصحابة - رضي الله عنهم - منزهون عن هذه الأشياء،