للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ومعناه على ضعفه الاجتهاد، أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه وينجيه رحمتك.

وقيل: المراد: ذا الجد والسعي التام في الحرص على الدنيا.

وقيل: معناه: الإسراع في الهرب، أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هروبه فإنه في قبضتك وسلطانك.

فإن قيل: بيَّن لي إعراب هذا الكلام؟

قلت: "ذا الجد" منصوب على أنه مفعول "لا ينفع"، وكلمة "من" في قوله: "منك" للبدل كما في قوله تعالى: {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (١) أي: بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله. وكما في قوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ} (٢) أي بدل الآخرة.

وقوله: {لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (٣) أي: بدلكم؛ لأن الملائكة لا تكون من الإنس.

وقال أبو حيان: إثبات البدلية لـ "مِنْ" فيه خلاف، وأصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي لمعنى البدل، واستدل بالآيات التي تَلَوْنَا وبقول الشاعر:

[أخذوا] (٤) المخاضَ من الفصيل غُلُبَّة ... ظلما ويكتبُ للأميرِ أفِيلا

أي: بدل الفصيل -وهو ولد الناقة إذا فُصل عن أمّه- والجمع فصلان، والمخاض ما تمت له سنة وطعنت في الثانية، وغُلُبَّةَّ -بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الباء الموحدة المفتوحة -وهو مصدر من غلب يغلب وكذلك غُلُبّى وغَلاَبِية وغَلْبا وغَلَبَا بتسكين اللام وتحريكها، وغلَبةً ومَغْلبةً، والأفيل -بفتح الهمزة وكسر


(١) سورة آل عمران، آية: [١٠].
(٢) سورة التوبة، آية: [٣٨].
(٣) سورة الزخرف، آية: [٦٠].
(٤) في "الأصل، ك": "أخذ"، والمثبت من "ديوان الراعي النميري" و"خزانة الأدب".

<<  <  ج: ص:  >  >>