للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا غير معروف من حيث الرواية، وإن كان معناه صحيحًا، والرواية المعروفة المشهورة: "أحق ما قال العبد وكلنا" ومعناه: أحق قول العبد "لا نازع لما أعطيت" فيكون ارتفاع "أحق" على الابتداء وخبره قوله: "لا نازع".

قوله: "وكلنا لك عبد" جملة معترضة بينهما، وتقدير الكلام: أحق قول العبد: لا نازع لما أعطيت، أو"لا مانع لما أعطيت" وكلنا لك عبد فيجب أن نقوله.

وفائدة الاعتراض: الاهتمام به وارتباطه بالكلام السابق، ونظيره في القرآن: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (١) الآية فإن قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} اعتراض بين قوله: {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} و {وَعَشِيًّا} والجملة المعترضة لا محل لها من الأعراب وقد عرف ذلك في موضعه.

فإن قيل: ما وجه كون هذا أحق ما يقوله العبد؟

قلت: لأن فيه التفويض إلى الله تعالى والإذعان له والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الخير والشر منه.

قوله: "لا نازع لما أعطيت" كذا في رواية النسائي أيضًا كما ذكرناها، وفي رواية غيرهما: "لا مانع لما أعطيت" وكلاهما معنى واحد.

قوله: "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا ينفع ذا الغنى، منك غناه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، أو معناه: لا يُسْلِمه من عذابك غناه.

و"الجد" في اللغة: الحظ والسعادة والغنى، ومنه: "تعالى جدُّك". أي: علا جلالك وعظمتك. والمشهور فيه فتح الجيم، هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.

وقال ابن عبد البّر: ومنهم من رواه بالكسر، وقال أبو جعفر الطبري: هو بالفتح. قال: وقاله الشيباني بالكسر. قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل. قال: ولا نعلم من قاله غيره، وضَعّف الطبريّ ومن بعده الكسر.


(١) سورة الروم، آية: [١٧ - ١٨].

<<  <  ج: ص:  >  >>