وأما من طريق النظر فإنهم قد أجمعوا فيمن يصلي وحده على أنه يقول ذلك.
فأردنا أن ننظر في الأمام هل حكمه في ذلك حكم من يصلي وحده أم لا؟
فوجدنا الإمام يفعل في كل صلاته من التكبر والقراءة والقيام والقعود والتشهد مثل ما يفعل مَنْ يصلي وحده، ووجدنا أحكامه فيما يطرأ عليه في صلاته كأحكام من يصلي وحده فيما يطرأ عليه في صلاته في الأشياء التي توجب فسادها وما يُوجب سجود السهو فيها وغير ذلك؛ فكان الإمام ومن يصلي وحده في ذلك سواء بخلاف المأموم، فلما ثبت باتفاقهم أن المصلي وحده يقول بعد قول سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد. ثبت أيضًا أن الإمام يقولها بعد قوله: سمع الله لمن حمده.
فهذا هو وجه النظر أيضًا في هله الباب، فبهذا نأخذ، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وأما أبو حنيفة فكان يذهب في ذلك إلى القول الأول والله أعلم.
ش: قد ذكرنا أن الاستدلال بهذه الأحاديث المذكورة لا يتم؛ لأنه ليس فيها أنه - عليه السلام - كان يقول ذلك -أي: ربنا لك الحمد- مع قوله: سمع الله لمن حمده. والحال أنه إمام، ولا فيها ما يدل على شيء من ذلك، أي من الجمع بين التسميع والتحميد، غير أن هذه الآثار تُبَيّن أن من صلى وحده منفردًا يجمع بينهما، فإذا كان كذلك يجب الرجوع إلى حديث يتم به الاستدلال، فنظرنا في ذلك فوجدنا أحاديث أبي هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - تدل على أن الإمام يقول من ذلك -أي من الجمع بين التحميد والتسميع- مثل ما يقول المنفرد، وهو معنى قوله:"ففي هذه الآثار ما يدل على أن الإمام يقول من ذلك ... " إلى آخره. وذلك أن في حديث عائشة يصرّحُ بأن رسول الله - عليه السلام - قال ذلك وهو يصلّي بالناس، وفي حديث ابن عمر كذلك، وفي حديث أبي هريرة أَخْبَر أن ما كان يفعله من الجمع بين التحميد والتسميع هو ما كان يفعله رسول الله - عليه السلام -، فثبت بهذا أَنْ ما يفعله الإِمام كذلك؛ اتباعًا لما ثبت في الأحاديث المذكورة، وهو معنى قوله:"ثبتَ أَنْ هكذا ينبغي للإمام" و"أنْ" هذه مخففة من المثقلة، وهي في محل الرفع على أنه فاعل "ثبت".