للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمره ها هنا أن يضع كما يضع البعير، ونهاه في أول الكلام أن يفعل ما يفعل البعير، فكان من الحجة عليهم في ذلك في تثبيت هذا الكلام وتصحيحه, ونفي الإحالة عنه أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك في سائر البهائم وبنو آدم ليسوا كذلك. فقال: لا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولًا يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه، ثم يضع ركبتيه، فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من الفقهاء طعنوا في الحديث المذكور، وقالوا: معناه متناقض؛ لأنه قال: "لا يبرك المصلي كما يبرك البعير"، والبعير إنما يبرك على يديه، ثم قال: "ولكن يضع يديه قبل ركبتيه"، وهذا تناقض؛ لأنه نهى في الأول أن يفعل مثل ما يفعل البعير، وأمر في الثاني بأن يفعل مثل ما يفعل البعير أيضا؛ لأنه قال: "ولكن يضع يديه ثم ركبتيه"، وقد مر أن البعير إنما يبرك على يديه.

فأجاب الطحاوي عن ذلك بقوله: فكان من الحجة عليهم، أي على هؤلاء القوم، بيانه: أن هذا الكلام صحيح وليس محال ولا متناقض؛ وذلك لأن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك في سائر البهائم بخلاف بني آدم، فإن ركبهم في أرجلهم، فمعنى قوله: لا يبرك المصلي على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولًا يديه اللتين ليست فيهما ركبتاه، ثم يضع ركبتيه اللتين في رجليه فيكون هذا الفعل بخلاف ما يفعل البعير، وهذا ظاهر.

ومن هذا أخذ ابن حزم في كتابه في وجه التوفيق فقال: وركبتا البعير في ذراعيه.

ص: فذهب قوم إلى أن اليدين يبدأ بوضعهما في السجود قبل الركبتين، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي ومالكا في رواية، وأحمد في قول؛ فإنهم قالوا: يبدأ المصلي في سجوده أولا بوضع يديه، ثم ركبتيه، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة، وعن قتادة: "يفعل أهون ذلك عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>