ش: هذا جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: من أين قلتم: إن المراد من قوله: "فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى، ثم قعد عليها" هو القعدة الأخيرة؟ فما الذي يدل على ذلك؟ فَلِمَ لا يجوز أن يكون المراد منه هو القعدة الأولى؟
وتقرير الجواب: أن قوله: "يدعو" يدل على أن المراد من قوله: "فلما قعد للتشهد ... إلى آخره" هو القعدة الأخيرة؛ لأن الدعاء في التشهد لا يكون إلا في آخر الصلاة، وذلك لأن القعدة الأولى لا دعاء فيها، وإنما فيها قراءة التحيات لله فقط على ما عرف ذلك.
ص: فقد تضاد هذا الحديث وحديث أبي حميدة فنظرنا في صحة مجيئهما واستقامة أسانيدهما فإذا فهد ويحيى بن عثمان قد حدثانا، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: نا يحيى وسعيد بن أبي مريم، قالا: ثنا عطاف بن خالد، قال: حدثني محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال:"حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب النبي - عليه السلام - جلوسًا ... " فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء.
قال أبو جعفر -رحمه الله-: فقد فسد بما ذكرنا حديث أبي حميدة؛ لأنه صار: عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن رجل، وأهل الإسناد لا يحتجون بمثل هذا، فإن ذكروا في ذلك ضعف العطاف بن خالد، قيل لهم: وأنتم أيضًا تضعفون عبد الحميد أكثر من تضعيفكم للعطاف مع أنكم لا تطرحون حديث العطاف كله، إنما تزعمون أن حديثه في القديم صحيح كله، وأن حديثه بأخرة دخله شيء، هكذا قال يحيى بن معين في كتابه، وأبو صالح سماعه من العطاف قديم جدًّا، فقد دخل ذلك فيما صححه يحيى من حديثه، مع أن من محمد بن عمرو بن عطاء لا يحتمل مثل هذا؛ وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد، وهو عندكم ضعيف، ولكن الذي روى حديث أبي حميد ووصله لم يفصل حكم الجلوس كما فصله عبد الحميد.