للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم معنى قوله: "أتعرف وتر النهار" أن الوتر كصلاة المغرب، وصلاة المغرب ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، فقوله هذا يدل على أن الوتر عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة كصلاة المغرب.

ودلَّ هذا أيضًا على أن المراد من قوله - عليه السلام -: "فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة" أي مع شيء تقدمها ليكون بتلك الواحدة ما صلي قبلها وترًا.

وإنما قلنا: إن قول ابن عمر دلَّ على هذا المعنى؛ لأنه لما قال لعقبة بن مسلم: أتعرف وتر النهار؟ قال عقيب ذلك: قال رسول الله - عليه السلام -: "صلاة الليل مثني مثني فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة"، فحديثه بذلك عقيب جوابه لُعقبة بما أجاب يدل على ما ذكرنا من المعنى المذكور.

فإن قيل: قد جاء عن ابن عمر أنه كان يَفْصل في وَتره بتسليمةٍ فكيف تستدل على أنه بلا فصل -كالمغرب- بقوله لعقبة: "أتعرف وتر النهار"؟

قلت: ذاك فعله وهذا قوله، والأخذ بالقول أولى؛ لأنه أقوى على ما عرف في موضعه، ومما يقوِّي ذلك: أن الحسن البصري حكى إجماع المسلمين على الثلاث بدون الفصل.

فقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١): ثنا حفص، حدثنا عمرو، عن الحسن قال: "أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يُسلّم إلا في آخرهن".

وأيضًا فالذي جاء عن ابن عمر مما ذكر طريقه ضعيف؛ لأن فيه الوضين بن عطاء، ضعَّفه جماعة على ما ذكرناه، على أنه قد أنكره الحسن البصري على ما روى البيهقي في "سننه" (٢): من حديث يزيد بن زريع، قال: ثنا حبيب المعلم قال: "قيل للحسن: إن ابن عمر كان يُسلّم في الركعتين من الوتر. فقال: كان عمر أفقه منه؛ كان ينهض في الثالثة بالتكبير".


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" (٢/ ٩٠/ ٦٨٣٤).
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (٣/ ٢٩ رقم ٤٥٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>