قوله:"فلما بَدَّن" بتشديد الدال مَعْناه كَبُر وأسنَّ، وأما بَدُنَ -بتخفيف الدال وضمها- فمعناه كثر لحمه وسمن، ولم يكن سمينًا. كذا قاله أبو عبيدة.
قلت: يَردُّ عليه ما جاء من حديث ابن أبي فضالة في صفته - عليه السلام -: "بادن متماسك" من البدانة وهي كثرة اللحم.
قوله:"وأوتر بالسابعة" أي بالركعة السابعة، ومعناه: بركعتين قبلها كما ذكرناه.
قوله:"وهو جالس" كلمة وقعت حالًا.
وقد أخذ الأوزاعي وأحمد بظاهر الحديث، فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنع من فعله. قال النووي: وأنكره مالك.
قلت: الصواب أن النبي - عليه السلام - فعل هاتين الركعتين بعد الوتر جالسًا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز الفعل جالسًا, ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرةً أو مرتين أو مرات قليلة.
فإن قيل: قد أخبرت عائشة - رضي الله عنها - بقولها:"كان يصلي" وهذه لفظة تدل على الاستمرار والثبات.
قلت: المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أنّ "كان" لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماضي يدل على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عُمِل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها. وفيه نظر؛ لأن أهل اللغة والعربية ذكروا أن "كان" تدل على الثبات والاستمرار، وفرَّقوا بينها وبين "صار"، وقالوا: إن "صار" تدل على الحدوث والتجدد، واستشهدوا عليه بجواز القول:{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وبعدم جواز "صار الله"، فافهم.
والتحقيق فيه: أنه - عليه السلام - كان يفعل ذلك مستمرًّا بعد أن بدَّن، فتكون مداومته على ذلك للعجز؛ ولأن باب النفل أوسع، والله أعلم.