قلت: قد ذكرنا عن جماعة أنهم صححوا حديث المهاجر، والأولى أن يقال الحديث محمول على نفي الفضيلة، حتى لا يلزم الزيادة على مطلق الكتاب بخبر الواحد، وذلك نحو قوله - عليه السلام -: "لا صلاة لجار المسجد إلَّا في المسجد".
فإن قيل: قوله - عليه السلام -: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" نظير قوله - عليه السلام -: "لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب" في كونه خبر الواحد، فكيف اختلف حكمهما من السُّنة والوجوب؟
قلت: قد قال بعضهم: لا نسلم أنهما نظيران في كونهما خبر الواحد، بل خبر الفاتحة أشهر من خبر التسمية فقدر مرتبة الحكم على حسب مرتبة العلة، وفيه نظر؛ لأن لقائل أن يقول: إذا كان خبر الفاتحة مشهورا لكان تعيين الفاتحة فرضا؛ لجواز الزيادة على النص بالخبر المشهور، والأحسن أن يقال: قارن خبر الفاتحة مواظبة النبي - عليه السلام - عليها من غير ترك، فهذا دليل الوجوب، بخلاف التسمية حيث لم تثبت فيها مواظبة.
فإن قلت: حديث عائشة - رضي الله عنها - الذي أخرجه البزّار الذي ذكرناه عن قريب يدل على أنه - عليه السلام - كان يسمّي في الوضوء دائما.
قلت: نعم، لكن لا نسلّم أنَّهَا كانت باعتبار أنَّهَا سُنّة الوضوء بل باعتبار أنَّهَا مستحبة في ابتداء جميع الأفعال.
ص: وكان قوله - عليه السلام -: "لا وضوء لمن لم يُسمّ" يحتمل أيضًا ما قال أهل المقالة الأولي، ويحتمل لا وضوء له أي لا وضوء له متكاملا في الثواب كما قال: ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، فلم يُرد بذلك أنه ليس بمسكين خارج من حدّ المسكنة كلها حتى تحرم عليه الصدقة، وإنما أراد بذلك أنه ليس بالمسكين المتكامل المسكنة الذي ليس بعد درجته في المسكنة درجة.
ش: ملخص كلامه أن الحديث له احتمالان، فلا تقوم به الحجة.