للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها ما رواه (١): عن أبي هريرة، أن رسول الله - عليه السلام - قال: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن! قيل: مَنْ يا رسول الله؟، قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه"، وأمثال هذا كثيرة، وكل ما ورد من ذلك فهو محمول على المعنى الذي ذكره.

قوله: "حتى لا يتضادان" أي حديث التسمية وحديث المهاجر، ولأن حديث التسمية يقتضي عدم جواز الوضوء بدونها، وحديث المهاجر يقتضي [جوازه] (٢) بدونها، فإذا أُوّلَ معنى حديث التسمية، بالتأويل المذكور يتوافق مع حديث الهاجر، ويرتفع التضاد، والعمل بالحديثين أولى من العمل بأحدهما وإهمال الآخر.

ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا أشياء لا يُدْخَلُ فيها إلَّا بكلام، منها العقدة التى يعْقدها الناس لبعض من البياعات والإجارات والمناكحات والخلع، وما أشبه ذلك فكانت تلك الأشياء لا تجب إلَّا بأقوال، وكانت الأقوال منها إيجاب؛ لأنه يَقولُ: قد بعتك، قد زوجتك، قد خلعتك، فتلك أقوال فيها ذكر العقود، وأشياء يُدْخَلُ فيها بأقوال وهي: الصلاة، والحج، فَيدخَلُ في الصلاة بالتكبير، وفي الحج بالتلبية، فكان التكبير في الصلاة والتليية في الحج ركنا من أركانهما، ثم رجعنا إلى التسمية في الوضوء، هل تشبه شيئًا من ذلك؟ فرأيناها غير مذكور فيها إيجابُ شيء كما كان في النكاح والبيوع؛ فخرجت التسمية لذلك من حكم ما وصفنا، ولم تكن التسمية أيضًا ركنا من أركان الوضوء كما كان التكبر ركنا من أركان الصلاة، وكما كانت التلبية ركنا من أركان الحج؛ فخرج بذلك أيضًا حكمها من حكم التكبير والتلبية، فبطل بذلك قولُ مَنْ قال: إنَّه لا بد منها في الوضوء كما لا بد من تلك الأشياء فيما يُعمل فيه.

ش: ملخّصه أن ثمة أشياء لا يمكن تحصيلها إلَّا بالقول كما في البيع مثلا، فإنه لا يمكن تحصيله إلَّا بالقول، وهو الإيجاب، وكما في الصلاة لا يصح الشروع فيها إلَّا بالقول وهو التكبير، وكما في الحج لا يصح الشروع فيه إلَّا بالقى وهو التلبية،


(١) "صحيح البخاري" (٥/ ٢٢٤٠ رقم ٥٦٧٠).
(٢) في "الأصل، ك": جوازها، وما أثبتناه هو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>