فنظرنا في التسمية في الوضوء هل لها شبه لشيء من تلك الأشياء؟ فلم نجد فيها إيجاب شيء كما في البيع ونحوه، فخرجت من حكم ذلك، ولم تكن هي ركنا من أركان الوضوء كالتكبير في الصلاة، والتلبية في الحج، فخرجت بذلك أيضًا من حكم ذلك، فحينئذ بطل القول بأنه لا بد منها في الوضوء كما لا بد من الإيجاب في المعاملات، والقول المخصوص في العبادات، فافهم.
قوله:"من البِياعات" بكسر الباء، وتخفيف الياء، جمع بياعه، مصدر كالبيع.
ص: فإن قيل: فإنا قد رأينا الذبيحة لا بدّ من التسمية عندها، ومَنْ ترك ذلك متعمدًا لم تؤكل ذبيحته، فالتسمية أيضًا على الوضوء كذلك، قيل له: ما ثبتَ في حكم النظر أن مَنْ ترك التسميةَ متعمدًا على الذبيحة أنَّهَا لا تُؤكلُ؛ فقد تنازع الناسُ في ذلك، فقال بعضهم: تؤكل، وقال بعضهم: لا تؤكل، فأما من قال: تؤكل فقد كُفِينا البيانَ لقوله، وأما من قال لا تؤكل فإنه يقول: إن تركها ناسيا أكل، وسواءٌ عنده كان الذابح مسلما أو كافرا بعد أن يكون كتابيّا، فجعلت التسمية ها هنا في قول من أوجبها في الذبيحة إنما هي لبيان الملَّة، فإذا سَمى الذابح صارت ذبيحته من ذبائح الملّة المأكولة ذبيحتها، وإذا لم يُسم جُعلت من ذبائح الملل التي لا تؤكل ذبيحتها، والتسمية للوضوء ليست للملّة إنما هى مجعولة لذكر على سبب من أسباب الصلاة، فرأينا من أسباب الصلاة: الوضوء، وستر العورة، فكان مَنْ ستر عورته لا بتسمية لم يضره ذلك، فالنظر على ذلك أن يكون مَنْ تطهير أيضًا لا بتسمية لم يضره ذلك، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-.
ش: هذا السؤال وارد على وجه النظر المذكور، تقريره أن يقال: إنا وجدنا شيئا يحتاج في الدخول له إلى التسمية ليصح ذلك الشيء كالذبيحة، قال: من أراد أن يذبح لا بد من التسمية عنده حتى تحل ذبيحته حتى إذا تركها عمدًا لم تؤكل ذبيحته؛ لفوات شرطه، فكان ينبغي أن تكون التسمية على الوضوء كذلك، والجامع أن كلَّا منهما فِعْل تدخل فيه.