وقال ابن قدامة: والعمل بهذا -أي بحديث صالح بن خوّات- أولى؛ لأنه أشبه بكتاب الله تعالى، وأحوط للصلاة والحرب.
أما موافقة الكتاب: فإن قوله الله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا}(١) يقتضي أن جميع صلاتها معه، وعنده -أي عند أبي حنيفة- تصلى معه ركعة فقط، وعندنا جميع صلاتها معه، إحدى الركعتين توافقه في أفعاله وقيامه، والثانية تأتي بها قبل سلامه ثم تسلّم معه، ومن مفهوم قوله:{لَمْ يُصَلُّوا}(١) أن الطائفة الأولى قد صلّت جميع صلاتها، وعلى قولهم لم تصل إلا بعضها.
وأما الاحتياط للصلاة: فإن كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية، بعضها توافق الإِمام فيها فعلا، وبعضها تفارقه وتأتي به وحدها كالمسبوق، وعنده تنصرف من الصلاة فإما أن تمشي وإما أن تركب، وهذا عمل كثير وتستدبر القبلة، وهذا ينافي الصلاة ويفرق بين الركعتين تفريقًا كثيرًا بما ينافيها، ثم جعلوا الطائفة الأولى مؤتمةَ بالإمام بعد سلامه، ولا يجوز أن يكون المأموم مأمومًا في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه.
وأما الاحتياط للحرب: فإنه يتمكن من الضرب والطعن والتحريض، وإعلام غيره بما يراه مما يخفى عليه من أمر العدو وتحذيره، وإعلام الذين مع الإِمام بما يحدث، ولا يمكن هذا على قولهم؛ ولأن مبنى صلاة الخوف على التخفيف؛ لأنهم في موضع الحاجة إليه، وعلى قولهم تطول الصلاة أضعاف ما كانت حال الأمن؛ لأن كل طائفة تحتاج إلى مضي إلى مكان الصلاة، ورجوع إلى وجاه العدو، وانتظار لمضي الطائفة الأخرى ورجوعها، فعلى تقدير أن يكون بين المكانين نصف ميل تحتاج كل طائفة إلى مشي ميل، وانتظار الأخرى قدر مشي ميل وهي في الصلاة، ثم تحتاج إلى تكلف الرجوع إلى موضع الصلاة لاتمام الصلاة من غير حاجة إليه والمصلحة تتعلق به فلو احتاج الأمر إلى مثل هذه الكلفة في الجماعة لسقطت عنه، فكيف نكلف الخائف وهو في مظنة التخفيف والحاجة إلى الرفق به؟