للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما مفارقة الإِمام فجائزة للعذر ولابد منها على القولين، فإنهم جوّزوا للطائفة الأولى مفارقة الإِمام والذهاب إلى وجه العدو، وهذا أعظم مما ذكرناه؛ فإنه لا نظير له في الشرع، ولا يوجد مثله في موضع آخر، والله أعلم، انتهى.

قلت: في جميع ما ذكره نظر:

أما قوله: أما موافقة الكتاب ... إلى آخره فليس كذلك، بل الذي ذكره يخالف الآية؛ لأن قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} (١) يدل على معنيين:

أحدهما: أن الإِمام يجعلهم طائفتين في الأصل، طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو على ما قال أبو حنيفة؛ لأنه قال: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى} (١) وعلى قولهم يفتتح جميع الصلاة مع الإِمام.

والثاني: قوله: {لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} (١) يقتضي نفي كل جزء من الصلاة، وهم يقولون: يفتتح الجميع الصلاة مع الإِمام فيكونون حينئذٍ بعد الافتتاح فاعلين لشيء من الصلاة، وهذا خلاف الآية.

وأما قوله: "وعنده ينصرف في الصلاة ... " إلى آخره فغير مسلّم؛ وذلك لأن المشي له نظير في الأصول وهو الراكب المنهزم يصلي وهو سائر بالاتفاق، وقد مر الكلام فيه عن قريب مستقصى.

وأما قوله: "ولا يجوز أن يكون المأموم مامومًا في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه" فغير مسلّم أيضًا؛ لأن الطائفة الأولى لاحقة ولهذا يُتمُّون صلاتهم بغير قراءة، فكأنهم في الحقيقة وراء الإِمام.

وأما قوله: "فإنه يتمكن من الضرب والطعن" فمردود بقوله: "فإما أن يمشي وإما أن يركب"، وهذا عمل كثير؛ وذلك لأن المشي إذا كان عملًا كثيرًا فكذلك


(١) سورة النساء، آية: [١٠٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>