ففي هذا الحديث ما يَدُلّ على أن النبي - عليه السلام - صلى بهم أربعًا يومئذٍ قبل إنزال الله -عز وجل- في قصر الصلاة ما أنزل عليه، وأن قصر الصلاة إنما أمر الله به بعد ذلك فكانت الأربع يومئذٍ مفروضة على النبي - عليه السلام - وكان المؤتمون به فرضهم أيضًا كذلك؛ لأن حكمهم حينئذٍ كان في سفرهم كحكمهم في حضرهم، ولابد إذا كان ذلك كذلك من أن تكون كل طائفة من هاتين الطائفتين قد قضت ركعتين ركعتين كما يُفعَل لو كانت في الحضر.
ش: أي قد روي عن جابر بن عبد الله في هذا الباب ما يدل على غير المعنى المذكور في الرواية السابقة؛ وذلك لأنه أخبر في هذا الحديث أن النبي - عليه السلام - صلى بالقوم أربع ركعات؛ لأن الله تعالى لم يكن أنزل بَعدُ في قصر الصلاة، وأنه إنما أنزل القصر بعد ذلك، فكانت الأربع حينئذٍ مفروضة عليهم؛ لأن السفر كان كالحضر قبل نزول القصر، فإذا كان الأمر كذلك فلابد أن تكون كل واحدة من الطائفتين قد قضت ركعتين ركعتين كما كان يجب عليهم ذلك لو كانوا في الحضر.
ثم إسنادُ حديث جابر صحيح، وقال البخاري: ويقال إن سليمان اليشكري مات في حياة جابر بن عبد الله ولم يسمع منه قتادة.
والحديث أخرجه ابن حبان في "صحيحه"(١): أنا عبد الله بن محمَّد الأزدي، نا إسحاق بن إبراهيم، نا معاذ بن هشام، نا أبي، عن قتادة، عن سليمان اليشكري:"أنه سأل جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة في الخوف، أين أنزل وأين هو؟ فقال: خرجنا نتلقى عيرًا لقريش أتت من الشام، حتى إذا كنا بنخلٍ جاء رجل إلى رسول الله - عليه السلام - وسيفه موضوع، فقال: أنت محمَّد؟ قال: نعم ... " إلى آخره نحوه.
قوله:"عِير قريش" أي: إبلهم بأحمالها وهو بكسر العين. قال ابن الأثير: العير: الإبل بأحمالها، فِعل من عَارَ يَعِيرُ إذا سار، وقيل: هي قافلة الحمير فكثرت