للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الحديث عندنا من المحال الذي لا يجوز كونه؛ لأن فيه أنهم دخلوا في الصلاة وهم قعود. وقد أَجْمَع المسلمون أن رجلًا لو افتتح الصلاة قاعدًا، ثم قام فأتّمها قائمًا ولا عذر له في شيء من ذلك؛ أن صلاته باطلة، فكان الدخول لا يجوز إلا على ما يكون عليه الركوع والسجود، واستحال أن يكون الذي خلف النبي - عليه السلام - في الصفّ الثاني دخلوا في الصلاة قعودًا، فثبت عن جابر بن عبد الله ما رويناه عنه عن النبي - عليه السلام - في غير هذا الحديث.

ش: أشار بهذا إلى أنه قد روي عن جابر بن عبد الله في صلاة الخوف وجه آخر غير ما ذكر فيما مضى من الوجوه، ولكنه وجه محال؛ لأنه يذكر فيه أن القوم دخلوا في الصلاة وهم قعود وهذا لا يجوز؛ لأن العلماء قد أجمعوا على أن من افتتح الصلاة قاعدًا من غير عذر ثم أتمها قائمًا فإن صلاته باطلة؛ لأن فيه بناء القوي على الضعيف، والدخول في الصلاة إنما يجوز إذا كان على ما يكون عليه الركوع والسجود، فإذا كان كذلك فمن المحال أن يكون الذين خلف النبي - عليه السلام - في الصف الثاني قد دخلوا في الصلاة قعودًا، فثبت عن جابر بن عبد الله ما روي عنه عن النبي - عليه السلام - من غير هذا الوجه، وهذا الوجه لم يصح من جهة المعنى ومن جهة أن في سنده شرحبيل بن سعد، فإنه ضعيف على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: يحتمل أن يكون افتتاحهم الصلاة وهم قعود لأجل شدة الخوف، وكانوا مضطرين إلى ذلك فصاروا معذورين فيه.

قلت: هذا لا يتمشى ها هنا؛ لأنه لو كان كما ذكر لكانوا كلهم على هذه الهيئة، فلم يكونوا كذلك حتى لو كان الإِمام مع القوم جميعهم افتتحوا الصلاة وهم قعود في حالة إلجائهم إلى هذه الهيئة يجوز، وكذا لو صلّوا ركبانًا عند شدة الخوف أو بالإيماء يجوز، كما عرف في موضعه.

ثم رجال الحديث المذكورون كلهم ثقات إلا شرحبيل بن سعد الخطميم المدني مولى الأئصار، فإن مالكًا قال فيه: ليس بثقة. وقال يحيى: ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>