للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أمرَه فأقام المغرب، فصلاّها كذلك، وذلك قبل أن يُنزل الله -عز وجل- في صلاة الخوف {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (١) ".

فأخبر أبو سعيد - رضي الله عنه - أن تركهم للصلاة يومئذٍ ركبانًا إنما كان قبل أن يباحَ لهم ذلك، ثم أبيح لهم بهذه الآية، فثبت بذلك أن الرجل إذا كان في الحرب لا يمكنُه النزول عن دابته من خوف العدو، وكذا من سبعٍ، أن له أن يصلي عليها إيماءً، وكذلك لو أن رجلًا كان على الأرض وهو يخاف إن سجد أن يَفْترسه سبع أو يضربه رجل بسيف فله أن يصليّ قاعدًا إن كان يخاف ذلك في القيام، ويومئ إيماءً، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: هذا جواب عما قاله أهل المقالة الأولى، وتقريره من وجهين:

أحدهما: أن ترك النبي - عليه السلام - الصلاة يومئذٍ إنما كان لأجل كونه مشغولًا بالقتال، فالقتال عمل، وكل عمل يُفسد الصلاة، فالقتال يُفسد الصلاة.

والآخر: يجوز أنه لم يُصلّ حينئذٍ لأنه لم يكن مأمورًا حينئذٍ بالصلاة راكبًا، فلذلك لم يصلّ، ثم أكد صحة الوجه الثاني من التأويل بحديث أبي سعيد الخدري، فإنه صرّح فيه أن تركهم للصلاة ركبانًا يومئذٍ إنما كان لأجل عدم إباحة ذلك لهم، وإنما أبيح ذلك بعد ذلك.

وأخرجه من طريقين صحيحين:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي وبشر بن عمر الزّهراني، كلاهما عن محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه أبي سعيد سعد بن مالك الخدريّ.

وأخرجه النسائي (٢) نحوه، ولفظه: "شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة


(١) سورة البقرة، آية: [٢٣٩].
(٢) "المجتبى" (٢/ ١٧ رقم ٦٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>