للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاة الكسوف النعمان بن بشير؛ فإنه قد أخبر في حديثه أنه - عليه السلام - كان يُصلي ركعتين ويُسلم، ويسأل حتى انجلت، فيدل ذلك على أنه قد علم من النبي - عليه السلام - أنه سجد بعد كل ركوع واحد في كل ركعة من الركعتين كما هو كذلك في سائر الصلوات، وعلمه أيضًا كذلك كل مَنْ وافقه من الصحابة في نحو روايته أنه صلى ركعتين.

وأما الذين خالفوه وقالوا: إنه ركع ركوعين أو ثلاثًا أو أربعًا أو أكثر من ذلك قبل أن يسجد فلم يكونوا علموا ذلك من النبي - عليه السلام -؛ لأجل ما كان يطول صلاته، فإذا كان الأمر كذلك توجّه لنا أن نجعل صلاة النبي - عليه السلام - في الكسوف كما قال النعمان، وتكون روايته أصلًا في ذلك؛ لأن ما روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - يدخل فيما قاله النعمان؛ لأن أحاديث الكل تدل على أنه - عليه السلام - قد صلاها ركعتين، ومع هذا يزيد على أحاديثهم حديث النعمان من قوله: "نحوًا من صلاتكم هذه فيركع ويسجد" وفي رواية: "كما تصلون ركعةً وسجدتين"، وفي رواية: "فجعل يصلي ركعتين ويسلم، ويسأل حتى انجلت"، فإذا كان كذلك يكون الأخذ بحديث النعمان أولى من الأخذ بما خالفه.

فإن قيل: يحتمل أيضًا أن يكون قد ركع ركوعين في كل ركعة في حديث النعمان، ولئن سلمنا عدم احتماله ذلك وتعارض حديثه بأحاديث غيره؛ فالأخذ بأحاديث غيره مثل حديث علي وابن عباس وعائشة أولى لصحتها وشهرتها واشتمالها أيضًا على الزيادة التي ليست في حديث النعمان؛ والزيادة من الثقة مقبولة.

وقد روي عن عروة أنه قيل له: "إن أخاك صلى ركعتين، فقال: إنه أخطأ السنة".

قلت: صريح قول النعمان بن بشير: "صلى في كسوف الشمس نحوًا من صلاتكم هذه، فيركع ويسجد" يقطع الاحتمال المذكور، ولانسلم أولوية الأخذ بأحاديث غيره؛ لما علَّلتم بأنها صحيحة مشهورة؛ لأن حديث النعمان أيضًا صحيح مشهور، وقد ذكرنا أن جماعة من العلماء منهم أبو عمر صححوا حديثه هذا، وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>