للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: أراد بالقوم هؤلاء: السائب بن يزيد والربيع بن خثيم وسويد بن غفلة وإبراهيم النخعي وعُبَيْدة؛ فإنهم قالوا: لا ينبغي أن يفعل التطوع في المساجد إلا تحية المسجد وركعتا الظهر والمغرب.

وقال عياض: وذهب بعضهم إلى ترك التنفل بعد الفرائض في المسجد جملةً، وإليه ذهب النخعي وعبيدة؛ لئلا تخلى بيوتهم من الصلاة، ولئلا يختلط أمرها على الجُهّال فيَعدُّونها من الفرائض، وذهب بعضهم إلى كونها في المسجد أجمع، وذهب مالك والثوري إلى كونها في النهار في المسجد وبالليل في البيوت.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: التطوع في المساجد حسنٌ غيرأن التطوع في المنازل أفضل منه.

ش: أي خالف القومَ المذكورين في الحكم المذكور جماعة آخرون، وأراد بهم: أبا حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وآخرين من العلماء، فإنهم قالوا: التطوع في المساجد حسن لكونها بنيت لأجل إقامة الصلوات، ولكنها في البيوت والمنازل أحسن وأفضل لكونها أبعد من الرياء، ولئلا تُخلى المنازل عن بركتها وعن نزول الملائكة فيها.

وقال ابن قدامة: الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء وهو من عمل السر وفعله في المسجد علانية والسر أفضل.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا يونس ابن أبي إسحاق، عن المنهال بن عمرو، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال لي العباس: "بِت الليلة بآل النبي - عليه السلام -، قال: فصلى النبي - عليه السلام - العشاء، ثم صلى بعدها حتى لم يبق في المسجد غيره".

فهذا رسول الله - عليه السلام - قد كان يتطوع في المسجد هذا التطوع الطويل، فذلك عندنا حسن، إلا أن التطوع في البيوت أفضل منه لقوله: "خيرُ صلاة المرء في بيْته إلا المكتوبة".

<<  <  ج: ص:  >  >>