للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أبو هريرة - رضي الله عنه - يخبر عن النبي - عليه السلام - أنه كان يرفع صوته في قراءته بالليل طورًا ويخفض طورًا، فدل ذلك على أن للمصلي في الليل أن يرفع إن أحبَّ ويخفض إنْ أحبّ، وقد يجوز أن يكون ما ذكرت أم هانئ وابن عباس - رضي الله عنه - مِنْ رفع رسول الله - عليه السلام - صوته بالقراءة في صلاته بالليل هو رفعٌ قد كان يفعل بِعَقبِهِ الخفض، فحديث ابن عباس وأم هانئ لا ينفي الخفض، وحديث أبي هريرة يبيِّن أن للمصلي أن يخفض إن أحب ويرفع إن أحبّ، فهو أولى من هذه الأحاديث، وبه يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحابهم؛ فقالوا: هو مخير بين المخافتة ورفع الصوت بها، واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة، فإن حديثه يخبر بالتخيير.

قوله: "وقد يجوز أن يكون ما ذكرت أم هانئ ... " إلى آخره إشارة إلى بيان وجه التوفيق بين حديث أبي هريرة، وحديثي أم هانئ وابن عباس؛ لأن بينهما مخالفة بحسب الظاهر، ووجه ذلك أن يقال: يجوز أن يكون رفع الصوت بالقراءة المذكور في حديثهما هو الرفع الذي كان - عليه السلام - يَخفِض عُقَيْبَه، فتكون أم هانئ وابن عباس قد حكيا ما كان منه - عليه السلام - من رفع الصوت بالقراءة فقط، وهو لا ينافي الخفض، وحديث أبي هريرة يُخبر بالرفع والخفض؛ ففيه زيادة على ذلك، والأخذ به أولى، فافهم.

ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق.

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلُّسي، عن يوسف بن عدي بن زريق الكوفي شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك العالم الزاهد المشهور، عن عمران ابن زائدة بن نشيط الكوفي، وثقه يحيى والنسائي، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>