ش: أراد بهؤلاء الذاهبين: مالكًا، وابن عليّة، وأحمد في رواية، فإنهم ذهبوا إلى أن مسح جميع الرأس فرض، واستدلوا على ذلك بالأحاديث المذكورة، والمروي عن مالك فرض الكل، ولكن أصحابه اختلفوا، فقال أشهب: يجوز مسح بعض الرأس، وقال غيره الثلث فصاعدًا.
وفي "المغني": اختلف في قدر الواجب، فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد، وهو ظاهر كلام الخرقي، ومذهب مالك، والرواية الثانية: يجزئ مسح بعضه، وممن قال بمسح البعض: الحسن، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، إلَّا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب، وفي حق المرأة يجزئها مقدم الرأس، قال الخلال: العمل في مذهب أبي عبد الله أنَّهَا إنْ مسحت بمقدّم رأسها أجزأها.
وقال مهنَّى: قال أحمد: أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل.
قلت له: ولم؟ قال: كانت عائشة - رضي الله عنها - تمسح مقدم رأسها.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: الذي في آثاركم هذه إنما هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه كله في وضوئه للصلاة، (فلهذا)(١) نأمر المتوضيء أن يفعل ذلك في وضوءه للصلاة، ولا نوجب ذلك، بكماله عليه فرضًا، وليس في فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه ما قد دلّ على أن ذلك كان منه لأنه فرض، وقد رأيناه - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثًا ثلاثًا لا لأن ذلك فرض لا يجزى أقل منه، ولكن منه فرض ومنه نفل.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي، والثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمدًا، والشافعي، وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: الذي في آثاركم أي الأحاديث المتقدمة، والباقي ظاهر.
قوله:"ومنه نفل" أي ومن المسح، وفي بعض النسخ:"ومنه فضل" أي زائد على الفرض، وكلاهما في المعني سواء؛ لأن معنى النفل في اللغة: الفضل والزيادة.