للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "وكان أبو حنيفة ... " إلى آخره، وممن ذهب إلى ما ذهب إليه هؤلاء: حمادُ بن أبي سليمان وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وأبو العالية والأعمش وإبراهيم التيمي والحكم بن عُتَيْبة وأصحاب عبد الله بن مسعود.

ويحكى ذلك عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وقالوا: إن مواضع السجود في القرآن منقسمة، منها ما هو أمر بالسجود، والأمر للوجوب كما في آخر سورة القلم، ومنها ما هو إخبار عن استنكاف الكفرة عن السجود فيجب علينا مخالفتهم بتحصيله، ومنها ما هو إخبار عن خشوع المطيعين فيجب علينا متابعتهم بقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (١)، ولأن الله ذم أقوامًا بترك السجود فقال: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (٢)، وإنما يُستحقُّ الذم بترك الواجب، وأجابوا عن قول عمر - رضي الله عنه - بأنا نقول بموجبه؛ لأنها لم تكتب علينا بل وجبت، وفرق بين الواجب والفرض على ما عرف في مَوْضعه، وعن أثرَيْ سلمان وابن الزبير بأنه يحتمل أن يكونا حينئذٍ على غير وضوء، أو كانا في وقت كراهة السجدة، والله أعلم.

قوله: "فثبت بما وصفنا" أي من قوله: "وقد ذهب جماعة من أصحاب النبي - عليه السلام - ... إلى آخره" يعني هذه الأشياء تدل على أنه لا دليل فيما ذكروا عن أبي على نفي السجدة في المفصل؛ لأنه قد يجوز أن يكون حكم السجدة عند رسول الله - عليه السلام - في حديث أبي بن كعب على واحد من المعاني التى ذكرها في ذلك عن هؤلاء الثلاثة من الصحابة وهم: عمر وسلمان وعبد الله بن الزبير، وهو أن يكون محمولًا على قول عمر بأنه لم تُكْتب علينا، أو على قول سلمان بأنه لم يقصد لها، أو على قول ابن الزبير بأنه لم يكن في صلاة، وأيًّا ما كان لا يدل واحد من ذلك على نفي أصل السجدة في المفصل، فافهم.


(١) سورة الأنعام، آية: [٩٠].
(٢) سورة الانشقاق، آية: [٢١].

<<  <  ج: ص:  >  >>