للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنهم استدلوا بهذه الأحاديث أن فرض المسح هو مقدار الناصية، وقال النووي: هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع.

قلت: هذا حجة عليهم لا لهم؛ لأن الفرض عندهم أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح، وها هنا قد نصّ على الناصية، وهو مقدار الربع، وقال ابن قدامة: احتج من أجاز البعض بأن المغيرة بن شعبة روى أن النبي - عليه السلام - مسح بناصيته، وعمامته، ولأن من مسح ببعض رأسه يقُال: مسح برأسه كما يقال: مسح برأس اليتيم، وقبَّل رأسه، وزعم بعض من ينصر ذلك أن الباء للتبعيض، ولنا ظاهر قوله تعالى: {بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (١)، والباء للإلصاق فكأنه قال: امسحوا رؤسكم. فيتناول الجميع، كما قال [في التيمم] (٢): {بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} (٣)، قال بعض أهل العربية: من جعل الباء للتبعيض أدخل في اللغة ما ليس منها، وقال ابن بَرْهان: (من زعم) (٣) أن "الباء" تُفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه، وحديث المغيرة يدل عل جواز المسح على العمامة، ونحن نقول به، وأيضًا فإن النبي - عليه السلام - لما توضأ مسح برأسه كله، وهذا خرج من النبي - عليه السلام - مخرج البيان؛ فدل علي وجوبه، وما ذكروه من اللفظ مجاز، لا يعدل إليه عن الحقيقة إلا بدليل. انتهى.

قلت: اتفق الشافعي مع أبي حنيفة في البعضية، ولكن عند الشافعي أقله ما ينطلق عليه اسم المسح، ولو بعض شعره.

وفي "الروضة" الواجب في مسح الرأس ما ينطلق عليه الاسم ولو بعض شعره أو قدره من البشرة، وفي وجه شاذ: يشترط ثلاث شعرات، وشرط الشعر الممسوح ألَّا يخرج عن حد الرأس لو مُدّ، سَبطا كان أو جعدَّا انتهى.


(١) سورة المائدة، آية: [٦].
(٢) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المغني" (١/ ٨٧).
(٣) تكررت في "الأصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>