وعند أبي حنيفة: الفرض مقدار الناصية، وهو ربع الرأس، قال صاحب "الهداية": والمفروض في مسح الرأس مقدار الناصية، وفي بعض الروايات قدَّره أصحابنا بثلاث أصابع، وهو ظاهر الرواية، وهو المذكور في الأصل، وهو رواية عن محمَّد، ذكرها ابن رستم في نوادره، وإذا وضع ثلاث أصابع ولم يمدّها؛ جاز في قول محمَّد في الرأس والخف جميعًا، ولم يجز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى يمدّها مقدار ما تصيب البلة ربع رأسه، فهما اعتبرا الممسوح عليه، ومحمد اعتبر الممسوح به، وهو عشر أصابع ربعها أصبعان ونصف، إلَّا أن الإصبع الواحدة لا تُجَزَّأ، فجعل المفروض قدر ثلاث أصابع لهذا، فالحاصل أن علمائنا اتفقوا في اعتبار الربع، لكنهما اعتبرا ربع المحل، ومحمد اعتبر ربع الآلة، وما قالاه مُرَجَّح؛ لأن المذكور في النص هو الرأس، فالاعتبار لما هو المذكور فيه أولى.
وفي "البدائع": ولو مسح بثلاثة أصابع منصوبة غير موضوعة ولا ممدودة لم يجز، لأنه لم يأت بالقدر المفروض، ولو مدّها حتى بلغ القدر المفروض لم يجز عندنا وعند زفر يجوز، وعلي هذا الخلاف إذا مسح بأصبع أو أصبعين ومدهما حتى بلغ مقدار المفروض، ولو مسح بأصبع واحدة ببطنها وظهرها وجانبيها لم يذكر في ظاهر الرواية، واختلف المشايخ، فقال بعضهم: لا يجوز، وقال بعضهم: يجوز، وهو الأصح، ولو مسح علي شعره وكان شعره طويلًا فإن مسح على ما تحت أذنيه لم يجز، وإنْ مسح على ما فوقهما يجوز، ولو أصاب رأسه من ماء المطر مقدار المفروض سقط عنه فرض المسح -والله أعلم- ثم إنَّ أصحابنا استدلوا على فرضية ربع الرأس في المسح بحديث المغيرة؛ لأن الكتاب مجمل في حق المقدار فقط لأن الباء في {وَامْسَحُوا} للإلصاق باعتبار أصل الوضع، فإذا قرنت بآلة المسح يتعدى الفعل بها إلى محل المسح، فيتناول جميعه، كما يقول الرجل: مسحت الحائط بيدي، ومسحت رأس اليتيم بيدي، فيتناول كله، وإذا قرنت بمحل المسح، يتعدى الفعل بها إلى الآلة، فلا يقتضي الاستيعاب، وإنما يقتضي إلصاق الآلة بالمحل، وذلك لا يستوعب الكل عادةً، ثم أكثر الآلة ينزل منزلة الكل، فيتأدي المسح بإلصاق ثلاثة أصابع بمحل