ص: فذهب قوم إلى أنه لا يجوز الصلاة في الكعبة، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار, وبقول رسول الله - عليه السلام - حين صلّى خارجًا من الكعبة:"إن هذه القبلة".
ش: أراد بالقوم هؤلاء: مالكًا وأحمد وبعض الظاهرية، ولكن في مذهبهم تفصيل.
فقال القاضي عياض: اختلف العلماء في الصلاة في الكعبة، فقال مالك: لا يُصلّى فيها الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف، ويُصلّى فيها التطوع.
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري: يُصلّى فيها كل شيء.
وهو قول جماعة من السلف وبعض أهل الظاهر، وقال بعض الظاهرية: لا يُصلّى فيها نافلة ولا فريضة، ونحوه مذهب ابن عباس
وأصبغ من أصحابنا يجعل المصلي في البيت يُعيد أبدًا.
وفي "المغني": ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها، وجوَّزه أبو حنيفة والشافعي.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بالصلاة في الكعبة.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة والشافعي وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: لا بأس بالصلاة في جوف الكعبة فرضًا كانت أو تطوعًا.
ص: وقالوا: قد يحتمل قول النبي - عليه السلام -: "هذه القبلة" ما ذكرتم، ويحتمل أن يكون أراد به القبلة التي يُصلّي إليها إمامكم الذي تأتمون به وعندها يكون مقامه، فأراد بذلك تعليمهم ما أمر الله به -عز وجل- من قوله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وليس في ترك النبي - عليه السلام - الصلاة فيها دليل على أنه لا يجوز الصلاة فيها.
ش: أي: وقال الآخرون في جواب ما احتج به القوم المذكورون بقوله - عليه السلام -: "هذه القبلة".