وأخرجه أحمد في "مسنده"(١): ثنا عفان، ثنا حماد ... إلى آخره نحوه سواء.
ص: فإن كان هذا الباب يؤخذ من طريق تواتر الآثار, فإن الآثار قد تواترت أن رسول الله - عليه السلام - قد صلى في الكعبة ما لم يَتواترَ مثلُه أنه لم يُصلّ.
وإن كان يُؤخذ بأن يُلْقَى ما يُضَادّ منها عن ما يُضَادّ ذلك عنه ويُعمل بما سوى ذلك، فإن أسامة بن زيد الذي حكى عنه ابن عمر أن رسول الله - عليه السلام - حين دخل الكعبة خرج منها ولم يُصَلّ، فقد روى عنه ابن عمر أن النبي - عليه السلام - حين دخلها صلى فيها، فقد تضادّ ذلك عنه فتنافيا، ثم قد روي عن عمر وبلال وجابر وشيبة بن عثمان، وعثمان بن أبي طلحة ما يُوافقُ مَا رَوى ابنُ عمر عن أسامة - رضي الله عنهم -، فذلك أولى مما تفرّد به ابن عباس عن أسامة - رضي الله عنهم -.
ش: أراد بهذا الباب باب الاستدلال والاحتجاج بالأحاديث، بيان ذلك: أن العمل بالآثار لا يخلو إما أن يكون لكونها قد تكاثرت وتواترت عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وإما أن يكون بحيث يترك ما يضادّ منها ويعمل بما سواه.
فإن كان الأول، فقد تواترت الآثار وتكاثرت عن النبي - عليه السلام - أنه قد صلى في الكعبة ولم تتواتر بمثل ذلك أنه لم يُصل.
وإن كان الثاني، فينبغي أن نترك خبر ابن عباس لأنه روى عن أسامة بن زيد أنه - عليه السلام - حين دخل الكعبة خرج منها ولم يصل، ثم روى ابن عمر عنه أنه حين دخلها صلى فيها، فقد تضادت روايتاهما فتنافتا، فحينئذٍ يؤخذ برواية ابن عمر عن أسامة أنه - عليه السلام - صلى فيها؛ لأنه لم ينفرد بروايته تلك كما انفرد ابن عباس؛ لأن الذي رواه عمر بن الخطاب وبلال وجابر بن عبد الله وشيبة بن عثمان، وعثمان بن أبي طلحة يُوافق ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهم - فالأخذ بما رواه الجماعة أولى، على أن الإثبات مقدم على النفي في مثل هذه الصورة كما ذكرنا، والله أعلم.
(١) "مسند أحمد" (٢/ ٤١٠ رقم ١٥٤٢٤) ولكن من طريق عبد الرحمن بن مهدي وحسن بن موسى، عن حماد، به نحوه سواء.