بيان ذلك أن ها هنا أصلًا مجمعًا عليه بَيْن الفريقين الذين اختلفوا في هذا الباب، وهو أن المأموم إذا دخل في صلاة الإِمام يجب عليه فرض لم يكن عليه قبل دخوله ولا يَسْقط عنه فرضٌ كان عليه قبل الدخول كالمسافر إذا دخل في صلاة المقيم يجب عليه أن يُتم -لأجل المتابعة- مع أنه لم يكن الإتمام واجبًا عليه قبل ذلك، والمقيم إذا دخل في صلاة المسافر يجب عليه أن يتم صلاته بعد فراغ الإِمام ولم يسقط عنه دخوله مع الإِمام المسافر الفرض الذي كان عليه قبل ذلك، والقياس يقتضي أن يكون كذلك الصحيح القادر على القيام أنه إذا دخل في صلاة المريض الذي سقط عنه القيام أن لا يَسْقط عنه القيام الذي كان فرضًا عليه قبل دخوله في الصلاة مع المريض، والله أعلم.
ص: فإن قال قائلٌ: فإنا قد رأينا العبد الذي لا جمعة عليه يدخل في الجمعة فتجزئه من الظهر، ويخرج عنه فرض قد كان عليه قبل دخوله مع الإمام فيها.
قيل له: هذا يؤيد ما قلنا؛ وذلك أن العبد لم يكن عليه جمعة قبل دخوله فيها، فلما دخل فيها مع مَنْ هي عليه كان دخوله إياها يوجب عليه ما هو واجبٌ على إمامه، فصار بذلك إذ وجب عليه ما هو واجب على إمامه في حكم مسافر لا جمعة عليه دخل في الجمعة، فقد صارت واجبةً عليه لوجوبها على إمامه، وصارت مُجْزئة عنه من الظهر؛ لأنها صارت بدلًا منها، فكللك العبد لما وجبت عليه الجمعة بدخوله فيها أجزأته من الظهر لأنها صارت بدلًا منها؛ فقد ثبت بما ذكرنا أن دخول الرجل في صلاة غيره قد يوجب عليه ما لم يكن واجبًا عليه قبل دخوله فيها، ولا يُسقط عنه ما كان واجبًا عليه قبل دخوله، فثبت بذلك أن الصحيح الذي القيام في الصلاة واجبٌ عليه إذا دخل مع مريض قد سقط عنه فرض القيام في صلاته لم يَسْقط عنه بدخوله في القيام ما كان واجبًا عليه قبل ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله.