رجلًا من بني سلمة يُقال له: سُلَيم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله إنا نَظَلُّ في أعمالنا، فنمشي حين نُمسي، فيأتي معاذ بن جبل فينادي بالصلاة، فنأتيه، فيطوّل علينا. فقال رسول الله - عليه السلام -: يا معاذ، لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي وإما أن تخفف عن قومك. ثم قال: يا سُليم، ما معك من القرآن؟ قال: معي أن أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، والله ما أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ -قال رسول الله - عليه السلام -: وهل دندنتي ودندنة معاذ إلا أن نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار- ولكن سترون غدًا إذا لقينا القوم -والناس يتجهزون إلى أُحد- فخرج الرجل فاستُشْهد".
قوله: "من بني سلِمة" بكسر اللام.
قوله: "إنا نظلّ" من ظَلِلْتُ أَعمل -كذا بالكسر- ظُلُولًا إذا عملته بالنهار دون الليل، ومنه قوله تعالى {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}(١) وهو من شواذ التخفيف.
قوله: "فينادي بالصلاة" أراد فيؤذن لها؛ لأن النداء إلى الصلاة هو الأذان.
قوله: "لا تكن فتَّانًا" فعَّال -بالتشديد- مبالغة فاتن، وأراد به: لا تكن سببًا لتفريق الجماعة بتطويل الصلاة.
قوله: "ما أُحسن دندنتك" الدندنة: أن يتكلم الرجل بالكلام تُسْمع نغمتَه ولا يُفهم، وهو أرفع من الهَينمة قليلًا.
قوله: "فقول النبي - عليه السلام - هذا لمعاذ" إشارة إلى قوله - عليه السلام -: "معاذ لا تكن فتّانًا، إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك"، وهذا دليل على أن معاذًا - رضي الله عنه - كان يفعلُ أحد الأمرين، إما الصلاة مع النبي - عليه السلام -، وإما الصلاة لقومه، وأنه لم يكن يجمع بين الأمرين؛ لأن معنى قوله: "إما أن تصلي معي": لا تُصلّ مع قومك، ومعنى قوله: "إما أن تخفف بقومك": لا تُصلّ معي، وهذا المعنى لم يكن في الأحاديث الأولى، فإذا كان الأمر كذلك ثبت أنه لم يكن من النبي - عليه السلام - في