للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك المعنى شيء متقدم، وأراد بـ"ذلك المعنى" هو قوله: "لم يكن في ذلك دليل أنه كان بأمر النبي - عليه السلام - ولا أن النبي - عليه السلام - لو أخبره به لأقره أو غيَّره"، فحاصل الكلام: ظهر من هذا الحديث أنه لم يكن من النبي - عليه السلام - شيء دل على أن معاذًا لو أخبر النبي - عليه السلام - بصلاته مع النبي - عليه السلام - على نيّة الفرض ومع قومه على نية التطوع له

أنه قرّره على ذلك، ولا شيء دلّ على أنه قد غيَّر ذلك في المستقبل فحينئذٍ لا تجب به الحجة علينا، وإنما كان تجب به الحجة علينا أن لو كان قرره على ذلك بعد إخباره إليه.

قوله: "ولو كان في ذلك من رسول الله - عليه السلام - أمرٌ ... " إلى آخره، جواب بطريق التسليم، تقريره أن يقال: ولئن سلمنا أنه كان من النبي - عليه السلام - شيء يدل على ما يدعيه أهل المقالة الأولى من جواز صلاة المفترض خلف المتنفل بالحديث المذكور، ولكن لا نسلم أنه كان مستمر الحكم إلى آخر الوقت، بل إنما كان في ذلك الوقت الذي كان الفريضة تصل فيه مرتين، فإن هذا كان يفعل في ابتداء الإِسلام ثم نهى النبي - عليه السلام - عن ذلك، فإذا كان الأمر كذلك يكون ما ذكروه من جواز صلاة المفترض خلف المتنفل منسوخًا.

فإن قيل: هذا الذي ذكره الطحاوي احتمال، وإثبات النسخ بالاحتمال لا يجوز.

قلت: هذا واقع، وأدل الدليل على ما ذكره من النسخ هو أن إسلام معاذ بن جبل - رضي الله عنه - متقدّم، وقد صلى النبي - عليه السلام - بعد سنتين من الهجرة صلاة الخوف غير مرةٍ من وجه وقع فيه مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة، فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لأمكن إيقاع الصلاة مرتين على وجه لا تقع فيه المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة، وحيث صُلَّيتْ على هذا الوجه مع إمكان دفع المفسدات على تقدير جواز اقتداء المفترض بالمتنفل دل على أنه لا يجوز ذلك، وقد يقال: يحتمل أن يكون حديث معاذ كان في أول الإِسلام وقت عدم القرّاء

<<  <  ج: ص:  >  >>