للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ ناسا يكرهون الشرب قائما، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صنع كما صنعت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث".

رواه البخاري في الصحيح (١): عن آدم بن أبي إياس ببعض معناه.

قوله: "في الرحبة" أراد بها رحبة الكوفة، وهي رحبة خنيس بن سَعْد أخو النعمان بن سَعْد جدّ أبي يوسف القاضي.

وفيه: دلالة على استحباب شرب الماء الذي فضل من الوضوء قائما (٢).

ص: قال أبو جعفر: وليس في هذا الحديث عندنا دليل أن فرض الرجلين هو المسح؛ لأن فيه أنه قد مسح وجهه، وكان ذلك المسح هو غسلا فكذلك يحتمل أن يكون مَسْحه لرجليه كذلك.

ش: أشار بهذا إلي أن احتجاج مَن يذهب إلى أن وظيفة الرجلين المسح بهذا الحديث غير صحيح؛ لأنه ليس فيه ذلك على [الإطلاق] (٣) ألا ترى أنه قال فيه: "فمسح بوجهه" ولم يكن ذلك إلاَّ غسلا؛ لأنهم قائلون أيضًا أن الوجه لا يمسح، ولا اليدين، فكذلك يكون معنى المسح في الرجلين الغسل.

فإن قيل: سلمنا أن المراد بالمسح الغسل في الوجه واليدين، ولكن لا نسلم ذلك في الرجلين، فإن قوله: "ومسح برأسه ورجليه" قرينة تدل على أن المراد من المسح في الرجلين هو خلاف الغسل؛ بقرينة ذكر الرأس؛ لأن وظيفتها المسح بالإجماع، ويدل عليه أيضًا ما روي عن عكرمة: "غسلتان ومسحتان" وأراد بالغسلتن غسل الوجه، وغسل اليدين، وأراد بالمسحتين مسح الرأس، ومسح الرجلين.

قلت: ولئن سلمنا ذلك فهذا كان في وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه من الحدث الذي يوجب الوضوء، وذلك لقوله - رضي الله عنه -: "وهذا وضوء مَنْ لم


(١) "صحيح البخاري" (٥/ ٢١٣٠ رقم ٥٢٩٣).
(٢) كذا قال المصنف -رحمه الله- وفيه نظر، ولعل الصواب أنه فيه دلالة على جواز ذلك لا استحبابه والله أعلم.
وانظر كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (١٠/ ٨٣) فإنه نفيس.
(٣) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>