فنظرنا في ذلك، فرأينا حكم المقيم في أهله إتمام الصلاة بسبب الإقامة خاصةً لا بسبب كونه مطيعًا أو عاصيًا، فالنظر والقياس على ذلك أن يكون حكمه إذا خرج إلى السفر قصر صلاته بسبب السفر خاصةً لا بسبب كونه مطيعًا أو عاصيًا.
قوله:"فقد جرى في هذا من حكم الاختلاف" أي: فقد جرى فيما إذا سافر المقيم وخرج بسبب سفره عن حكم الإقامة من حكم الاختلاف ما ذكرنا، ثم بيّن ذلك بالفاء التفسيرية بقوله:"فقال قومٌ: لا يجب له حكم التقصير إلا أن يكون ذلك السفر سفر طاعة لما وأراد بهم: الشافعي ومالكًا وأحمد والطبري وأصحابهم؛ فإنهم ذهبوا إلى أن السفر المبيح للقصر هو سفر الطاعة كالسفر الواجب والمندوب، والمباح كسفر التجارة، ولا يرخص له في سفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر والمحرمات.
وفي "المغني": وفي سفر التنزه والتفرج روايتان: إحداهما تبيح الترخص، والثانية لا يترخص فيه.
قال أحمد: إذا خرج الرجل إلى بعض البلدان متنزهًا وليس في طلب حديث ولا حج ولا عمرة ولا تجارة فإنه لا يقصر الصلاة، فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص؛ لأنه نُهيَ عن السفر إليها. والصحيح إباحته وجواز القصر فيه.
إذا كان السفر مباحًا فغيَّر نيته إلى المعصية انقطع الترخص لزوال سببه، ولو سافر لمعصية فغيَّر نيته إلى مباح صار سفره مباحًا وأبيح له ما يباح في السفر المباح، وتعتبر مسافة السفر من حين غير النية. انتهى.
وقال عياض: وكره مالك التقصير للمتصيّد للهوٍ، وحُكي عنه المنع فيه في سفر النزهة.