قوله:"وقال آخرون" أي جماعة آخرون؛ وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم ذهبوا إلى أن السفر هو المبيح لقصر الصلاة والإفطار مطلقًا سواء كان سفر طاعة أو سفر معصية وهو معنى قوله:"في الوجهين جميعًا" لعموم الآية، وهو رواية عن مالك، وإليه ذهب أكثر الظاهرية.
وقال ابن حزم في "المحلى": وكون الصلوات المذكورة في السفر ركعتين فرض، سواء كان سفر طاعة أو معصية أو لا طاعة ولا معصية أمْنًا كان أو خوفًا، فمن أتمها أربعًا عامدًا فإن كان عالمًا بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا سجد للسهو بعد السلام فقط.
وقال ابن حزم أيضًا: واحتج من خصّ بعض الأسفار بذلك بأن سفر المعصية محرم فلا حكم له.
فقلنا: أما محرم فنعم هو محرم، ولكنه سفر فله حكم السفر، وأنتم تقولون: إنه محرّم، ثم تجعلون فيه التيمم عند عدم الماء وتجيزون الصلاة فيه وترونها فرضًا، فأي فرق بين ما أجزتم من الصلاة والتيمم لها وبين ما منعتم من تأديتها ركعتين كما فرضها الله في السفر، ولا سبيل إلي فرق، وكذلك الزنا محرم وفيه من الغسل كالذي في الحلال؛ لأنه إجناب ومجاوزة ختان لختان.
قوله:"ولما ثبت أن التقصير ... " إلى آخره، بيان للوعد الذي ذكره فيما مضى بقوله:"وسنبين الحجة في هذا الباب في آخره إن شاء الله تعالى".
قوله:"وجميع ما بيَّنَّا" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله:"قول أبي حنيفة رحمه الله".