للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا يخبر أنه تارة كان يوتر على الراحلة وتارة على الأرض، فدلّ أن ما رواه حنظلة كان يصلي على راحلته ويوتر بالأرض لا ينافي جواز وتره على الراحلة.

قوله: "فقد يجوز أن يكون مجاهد ... " إلى آخره، جواب عما احتج به أهل المقالة الثانية بما رواه مجاهد، عن ابن عمر: "أنه كان يصلي في السفر على بعيره أينما توجه به، فإذا كان في السَّحَر نزل فأوتر".

بيان ذلك أن ما رواه مجاهد لا يدل على عدم جواز الوتر على الراحلة؛ لأنه يجوز أن يكون رآه يوتر على الأرض والحال أنه لم يعلم كيف كان مذهب ابن عمر في الوتر على الراحلة هل يجوز عنده أم لا؟

فغاية ما في الباب أنه أخبر بما شاهد منه من وتره على الأرض، وذلك لا يستلزم نفي جوازه على الراحلة عنده، ومع هذا روى سالم ونافع وأبو الحباب سعيد بن يسار: "أن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يوتر على راحلته" فكما أن رواية هؤلاء لا تستلزم عدم جوازه على الأرض فكذلك رواية مجاهد لا تستلزم عدم جوازه على الراحلة، فظهر أن كلا الأمرين جائز، وأن ما شاهده أحد من الرواة من فعل لا يستلزم نفي صحة ما شاهده غيره من الفعل الآخر إلا بدليل يدلّ عليه، والله أعلم.

ص: والوجه عندنا في ذلك: أنه قد يجوز أن يكون رسول الله - عليه السلام - كان يوتر على الراحلة قبل أن يحكم الوتر ويغلظ أمره ثم أحكم من بعد ولم يُرخِّصْ في تركه فروي عنه ما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب، قال: حدثني موسى بن أيوب الغافقي، عن عمه إياس بن عامر، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أن رسول - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي من الليل وعائشة معترضة بين يديه، فإذا أراد أن يوتر أوْمأ إليها أن تَنَحّي، وقال: هذه صلاة زدتموها".

<<  <  ج: ص:  >  >>