للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: المصير إلى التحري لضرورة، ولا ضرورة ها هنا؛ لأنه يمكنه إدراك اليقين بدونه بأن يبني على الأقل فلا حاجة إلى التحري.

قلت: قد يتعذر عليه الوصول إلى ما اشتبه عليه بدليل من "الدلائل" والتحري عند عدم الأدلة مشروع كما في أمر القبلة.

فإن قيل: يستقبل.

قلت: لا وجه لذلك؛ لأنه عسى أن يقع له ثانيًا وثالثًا إلى ما لا يتناهى.

فإن قيل: يبني على الأقل.

قلت: لا وجه لذلك أيضًا؛ لأن ذلك لا يوصله إلى ما عليه فلا يبني على الأقل إلا عند عدم وقوع تحريه على شيء كما ذكرنا، والله أعلم.

ص: ومما يُصحح ما ذهبوا إليه: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قد روينا عنه عن النبي - عليه السلام - في أول هذا الباب ما ذكرنا، ثم قال هو برأيه أنه يتحرّى.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا شيخٌ أحسبه أبا زيد الهروي، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني إدريس، عن أبيه سمعه يُحدث، قال: "قال أبو هريرة في الوهم: يتحرى".

ش: أي ومن الذي يصحح ما ذهب إليه أهل المقالة الثالثة -وهم: أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله- من وجوب التحري عند وجود الرأي: أن أبا هريرة روي عنه أنه روى عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "إذا جاء أحدكم الشيطان فخلط عليه صلاته فلا يدري كم صلى؛ فليسجد سجدتين وهو جالس". ثم قال أبو هريرة برأيه من نفسه: "أنه يتحرى". ولو لم يكن التحري معمولًا به عند وجود الرأي لما قال به أبو هريرة مع كون حديثه ثابتًا عنده.

وأبو زيد الهروي اسمه سعيد بن الربيع الجرشي العامري البصري كان يبيع الثياب الهروية فنسب إليها، قال أبو حاتم: صدوق. وروى

له مسلم والترمذي والنسائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>