للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعُلِمَ أن قوله: "وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يُسمّى شكًّا" هو الحقيقة العرفية لا اللغوية.

وفيه: وجوب سجدتي السهو، وأنهما بعد السلام، وأن سجدتي السهو لهما سلام وتشهد.

ص: ففي هذا الحديث العمل بالتحري، وتصحيح الآثار يُوجب ما يَقُولُ أهلُ هذه المقالة؛ لأن هذا إن بطل ووجب أن لا يَعْمل بالتَحْرّي انتفى هذا الحديث، وإن وَجب العمل بالتحري إذا كان له رأي، والبناء على الأقل إذا لم يكن رأي، استوى حديث عبد الرحمن وحديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود، فصار كل واحد منها قد جاء في معنى غير المعنى الذي جاء فيه الآخر، وهكذا ينبغي أن تُخرّج الآثار وتحمل على الاتفاق ما قُدِرَ على ذلك، ولا تُحمَل على التضاد إلا أن لا يوجد لها وجه غيره، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي ففي حديث ابن مسعود: الواجب العمل بالتحري؛ للأمر به الدالّ على الوجوب، فتصحيح الأحاديث المتضادة يُوجبُ ما ذهب إليه أهل هذه المقالة، وهم أهل المقالة الثالثة؛ وذلك لأن ما ذهبوا إليه إذا بطل ووجب أن لا يعمل بالتحري لزم إلغاء هذا الحديث، وهو معنى قوله: "انتفى هذا الحديث" أي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، والحال أنه مما ينبغي أن يُعمل بالآثار كلها مهما أمكن وقُدِر على ذلك؛ لأن الإعمال بجميعها عند الإمكان خير من إعمال بعضها وإهمال بعضها، وها هنا إذا عملنا بالتحري عند وجود الرأي، وبالبناء على الأقل عند عدم الرأي؛ تَسْتَوي أحاديث هذا الباب كلها التي رواها عبد الرحمن بن عوف، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم -، فإذا عملنا هكذا يكون كل واحد من هذه الأحاديث لمعنًى غير معنى الآخر، فلا يكون بين معانيها تضاد، وهكذا ينبغي أن تُخرّج الآثار حملًا على التوافق ودفعًا للتضاد مهما أمكن، اللهم إلا إذا لم يوجد لها وجه غير ذلك كما عرف في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>