قوله:"فدل ذلك على كل الكلام" أراد به كلام الناسي والعامد والساهي والجاهل؛ فإن ذلك كله سواء في إفساد الصلاة.
وقوله: - عليه السلام - "فلم يردّ عليّ" أعمّ من عدم الرد باللسان وبالإشارة، فدل أنه لا يرد السلام بالإشارة أيضًا.
ومما يستنبط منه: أنه يرد بعد الفراغ من الصلاة، دل عليه رواية أبي داود.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا أشياء يدخل فيها العباد تمنعهم من أشياء.
فمنها: الصلاة تمنعهم من الكلام والأفعال التي لا تفعل فيها.
ومنها: الصيام يمنعهم من الجماع والطعام والشراب.
ومنها: الحج والعمرة، تمنعانهم من الجماع والطيب واللباس.
ومنها: الاعتكاف يمنعهم من الجماع والتصرف.
فكان من جامع في صيامه أو أكل أو شرب ناسيًا مختلفًا في حكمه، فقوم يقولون: لا يخرجه ذلك من صيامه بتقليد آثار رووها، وقوم يقولون: قد أخرجه ذلك من صيامه.
وكل من جامع في حجته أو عمرته أو اعتكافه متعمدًا أو ناسيًا فقد خرج بذلك مما كان فيه من ذلك، فكان ما يخرجه من هذه الأشياء إذا فعل ذلك متعمدًا فهو يخرجه منها إذا فعله غير متعمد.
وكان الكلام في الصلاة يقطع الصلاة إذا كان على التعمد. لذلك فالنظر على ما ذكرنا من ذلك أن يكون أيضًا يقطعها إذا كان على السهو، ويكون حكم الكلام فيها على العمد والسهو سواء، كما كان حكم الجماع في الاعتكاف والحج والعمرة على العمد والسهو سواء، فهذا هو النظر أيضًا في هذا الباب، وقد وافق ما صححنا عليه معاني الآثار، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.