للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الكلام فيها جاهلًا لا يفسد صلاته، وما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان، فدل ذلك على التفرقة بين الأحوال.

وتقرير الجواب من وجهين:

الأول: أن إسلام معاوية بن الحكم كان في آخر الأمر، وكان جاهلًا بتحريم الكلام الذي كان مباحًا في حديث ذي اليدين، فلذلك لم يأمره - عليه السلام - بإعادة الصلاة.

الثاني: أنه قد يجوز أن يكون النبي - عليه السلام - أمره بالإعادة، ولكنه لم ينقل ذلك في حديثه؛ لأن سكوت الحديث عنه لا ينفي أمره بالإعادة؛ فافهم.

ص: وقد قال قوم: إن رسول الله - عليه السلام - لم يسجد يوم ذي اليدين.

حدثنا بذلك ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: "سألت أهل العلم بالمدينة فما أخبرني أحدٌ منهم أنه صلاها -يعني سجدتي السهو- يوم ذي اليدين، فمعنى هذا عندنا -والله أعلم- أنه إنما يجب سجود السهو في الصلاة إذا فعل بها ما لا ينبغي أن يفعل فيها، مثل القيام عن القعود أو القعود في غير مواضع القعود، أو ما أشبه ذلك مما لو فعل على العمد كان فاعله مسيئًا، فأما ما فعل فيها مما ليس بمكروه فيها فليس فيه سجود سهو، وكان حكم الصلاة يوم ذي اليدين لا بأس بالكلام فيها والتصرف، فلما فعل ذلك على السهو فيها وكان فاعله على العمد غير مسيء، كان فاعله على السهو غير واجب عليه سجود السهو، فهذا مذهب الذين ذهبوا إلى أن رسول الله - عليه السلام - لم يسجد يومئذ، وهذا حجة لأهل المقالة التي ثبتناها في هذا الباب، وكان مذهب الذين ذكروا أنه سجد يومئذ: أن الكلام في الصلاة والتصرف وإن كانا مباحين في الصلاة يومئذ، فلم يكن من المباح يومئذ أن يسلم في الصلاة قبل أوان التسليم، فلما سَلَّم النبي - عليه السلام - فيها سلامًا أراد به الخروج منها، على أنه قد كان أتمها، وكان ذلك مما لو فعله فاعل على العمد كان مسيئًا، وجب فيه سجود السهو، فهذا مذهب أهل هذه المقالة في هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>