ش: أشار بهذه الآثار إلى الأحاديث التي رواها عن عبد الله بن عمر وصهيب وبلال وأبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - وقوله:"ما دل" في محل الرفع على الابتداء وخبره قوله: "ففي هذه الآثار" وقوله: "وقد جاءت" أي هذه الآثار مجيئًا متواترًا، أي مقبولًا عند أهل الحديث، ولم يُرِدْ به التواتر الاصطلاحي، وأراد أن هذه الآثار أقوى طريقًا وأصح مجيئًا وأكثر ورودًا من الحديث الذي ذهب إليه أهل المقالة الأولى، وهو حديث أبي غطفان عن أبي هريرة، وأن هذا لا يساوي تلك الأحاديث ولا يقاومها، على أن أحمد بن حنبل قد قال: حديث أبي غطفان ليس بشيء كما ذكرناه فيما مضى.
قوله:"وليست الإشارة ... " إلى آخره، إشارة إلى بيان وجه النظر والقياس، وهو أن الإشارة لا تشابه الكلام ولا تماثله؛ لأنها حركة عضو، والكلام نطق مسموع مفهم، فلو حرك المصلي من أعضائه غير اليد في صلاته فإنه لا يقطع صلاته ولا يضرها، فكذلك لو حرك يده، نظرًا وقياسًا عليه.
ص: فإن قال قائل: فإذا كانت الإشارة في المسألة عندكم قد ثبت أنها بخلاف الكلام، وأنها لا تقطع الصلاة كما يقطعها، واحتججتم في ذلك بهذه الآثار التي رويتموها عن رسول الله - عليه السلام -، فَلِمَ كرهتم رد السلام من المصلى بالإشارة؟ وقد فعل ذلك رسول الله - عليه السلام - فيما رويتموه في هذه الآثار، لئن كان ذلك حجة لكم في أن الإشارة لا تقطع الصلاة، فإنه حجة عليكم في أن الإشارة لا بأس بها:
قيل له: أما ما احتججنا بهذه الآثار من أجله وهو أن الإشارة لا تقطع الصلاة فقد ثبت ذلك بهذه الآثار على ما احتججنا به منها.
وأما ما ذكرت من إباحة الإشارة في الصلاة في رد السلام فليس فيها دليل على ذلك، وذلك أن الأمر الذي هو فيها هو أن رسول الله - عليه السلام - أشار إليهم فلو قال لنا رسول الله - عليه السلام -: إن تلك الإشارة أردت بها ردّ السلام على من سلم علي ثبت بذلك أن كذلك حكم المصلي إذا سُلم عليه في الصلاة، ولكنه لم يقل من ذلك شيئًا، فاحتمل أن يكون الإشارة كانت ردًا منه للسلام كما ذكرتم، واحتمل أن تكون