وتقرير الجواب أن يقال: أحاديث عبد الله بن مسعود رجحت ما ذهبنا إليه؛ وذلك لأن في بعض أحاديثه -وهو الذي رواه أبو بكرة عن أبي داود الطيالسي- سلم على الذي سلم عليه بعد فراغه منها، وذلك دليل على أنه لم يكن منه في الصلاة رد السلام لا باللفظ ولا بالإشارة؛ لأنه لو كان ذلك منه؛ لا غناه عن الرد عليه بعد الفراغ من صلاته فحيث ردّ عليه السلام بعد فراغه من الصلاة؛ دل على أنه لا رد في نفس الصلاة لا لفظًا ولا إشارة.
وفي بعضها -وهو الذي رواه أبو بكرة عن مؤمل بن إسماعيل- فلم يرد عليّ". وهو عام يتناول الرد باللسان والرد بالإشارة ولأنه لو رد عليه بالإشارة لما قال عبد الله: "فأخذني ما قَدُم وما حَدُث" فدل أنه لم يكن منه ردٌّ أصلًا لا باللسان ولا بالإشارة.
وفي بعضها -وهو الذي رواه علي بن شيبة عن عبيد الله بن موسى: "إن في الصلاة شغلًا" أي ما يشغل المصلي عن مباشرة ما ليس من الصلاة؛ فدل على أنه معذور بذلك الشغل عن رد السلام على المسلّم عليه -بكسر اللام- والضمير في "عليه" يرجع إلى المصلي، وفيه دليل أيضًا على النهي لغيره عن السلام على المصلي فافهم.
ثم إنه أخرج حديث عبد الله بن مسعود من أربع طرق صحاح:
الأول: عن أبي بكرة القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة المقرئ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، وقد ذكر هذا في الباب الذي قبله إسنادًا ومتنًا، غير أنه زاد ها هنا. قوله: "ونقول السلام على الله وعلى جبريل وميكائيل وعلى كل عبد صالح يُعلم اسمُهُ في السماء والأرض" وقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية.
الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي الكوفي شيخ البخاري، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن أبي الأحوص عوف بن مالك، عن عبد الله بن مسعود.