وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"(١): ثنا حفص وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال:"ما كنت لأسلم على رجل وهو يصلي- زاد أبو معاوية: ولو سلُم علي لرددت عليه".
قوله:"فهذا جابر بن عبد الله ... " إلى آخره إشارة إلى تصحيح معاني هذه الأحاديث التي رويت عن جابر نظير ما روي عن عبد الله بن مسعود؛ بيانه: أن جابرًا أخبر في حديثه أن رسول الله - عليه السلام - لم يرد لما سلم عليه، وأنه إنما رد عليه بعد فراغه من صلاته، كما قد أخبر عبد الله بن مسعود في حديثه كذلك، وأخبر جابر أيضًا في حديثه أنه - عليه السلام - قال:"أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي" فهذا بعمومه يتناول عدم الرد مطلقًا سواء كان بإشارة أو غيرها، وأخبر جابر أيضًا في حديثه الآخر أنه - عليه السلام - أومأ إليه بيده حين سلم، ثم قال له بعد أن فرغ من صلاته:"أما أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي". فأخبر - عليه السلام - أنه لم يكن رد عليه في الصلاة، فدل ذلك أن تلك الإشارة التي كانت منه في الصلاة لم تكن لأجل رد السلام عليه؛ وإنما كانت لأجل النهي عن السلام على المصلي ". وهذا جابر - رضي الله عنه - قد روى هكذا عن النبي - عليه السلام -، ثم قد روي عنه من نفسه أنه قال: "ما أحب أن أسلم على المصلي، ولو سُلم علي وأنا في الصلاة لرددت عليه". وقد كره السلام على المصلي، والحال أنه قد سلم على رسول الله - عليه السلام - وهو يصلي فأشار إليه رسول الله - عليه السلام - فلو كانت تلك الإشارة التي كانت من النبي - عليه السلام - ردًّا لسلام جابر عليه إذًا -أي حينئذ- لما كره جابر السلام على المصلي؛ لأن رسول الله - عليه السلام - لم ينهه عن ذلك، ولكنه إنما كره ذلك لأن إشارته تلك كانت عنده نهيًا منه له -أي لجابر - رضي الله عنه - عن السلام عليه في الصلاة.