ص: فإن قال قائل: فقد قال جابر - رضي الله عنه - في حديثكم هذا:"ولو سُلِّم علي لرددت".
قيل له أفقال جابر: لرددت في الصلاة؟ قد يجوز أن يكون أراد بقوله:"لرددت" أي بعد فراغي من الصلاة، وقد دل على ذلك من مذهبه: ما حدثنا علي بن زيد، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا همام، قال: سأل سليمان بن موسى عطاء: أسالت جابرًا عن الرجل يسلم عليك وأنت تصلي فقال: لا ترد عليه حتى تقضي صلاتك؟ فقال: نعم". قال أبو جعفر -رحمه الله-: فدل ذلك أن الرد الذي أراد جابر في الحديث الأول هو الرد بعد الفراغ من الصلاة، فقد وافق ذلك ما روى عن رسول الله - عليه السلام -، ودل في معناه على ما ذكرنا.
ش: تقرير السؤال أن يقال: في حديث جابر الذي احتججتم به لِمَا ذهبتم إليه: "ولو سُلِّم عليّ لرددت" وهو يدل على أنه ينبغي أن يرد السلام، وأنتم قد تركتم هذا حيث منعتم الرد في الصلاة مطلقًا.
وتقرير الجواب أن يقال: لم يقل جابر: لرددت عليه في الصلاة، وإنما قال: "لرددت" مطلقًا، فيجوز أن مراده: لرددت بعد فراغي من الصلاة، وقد دل على أن مراده بعد الصلاة: ما أخرجه عن علي بن زيد بن عبد الله الفرضي الطرسوسي، عن موسى بن داود الضبي من رجال مسلم، عن همام بن يحيى البصري من رجال الجماعة، عن سليمان بن موسى القرشي الأموي الدمشقي الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه، ثقة كبير، روى له الجماعة إلا البخاري.
عن عطاء بن أبي رباح المكي ... إلى آخره.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١): عن عطاء نحوه.
قوله: "أفقال جابر" الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: "وقد دل على ذلك" أي على ما ذكرنا من التأويل.