ص: وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في هذا نحو من ذلك.
حدثنا عبد الله بن محمد بن خُشيش، قال: ثنا عارم، قال: ثنا جرير بن حازم، عن قيس، عن عطاء:"أن ابن عباس سلم عليه رجل وهو يصلي فلم يرد عليه شيئًا، وغمز بيده". فهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما لم يردُّ في صلاته على الذي سلم عليه وهو فيها، ولكنه غمز بيده على الكراهية منه لما فعل فلما كان عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وقد كانا سلما على النبي - عليه السلام - وهو يصلي قد كرها من بعد رسول الله - عليه السلام - السلام على المصلي فثبت بذلك أن ما كان من إشارة النبي - عليه السلام - التي علماها لم تكن ردًا وإنما كانت نهيًا؛ لأن الصلاة ليست بموضع سلام؛ لأن السلام كلام، فجوابه أيضًا كذلك، فلما كانت الصلاة ليست بموضع كلام؛ لم تكن أيضًا بموضع لرد سلام، ولما لم تكن موضعًا لرد سلام لم تكن موضعًا للإشارة لرد السلام، وذلك لأن رسول الله - عليه السلام - قد أمر بتسكين الأطراف في الصلاة.
حدثنا بذلك فهد، قال: ثنا محمد بن سعيد، قال: أنا شريك، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن جابر بن سمرة قال:"دخل رسول الله - عليه السلام - المسجد فرأى قومًا يصلون وقد رفعوا أيديهم، فقال مالي أراكم ترفعون أيديكم كأنها أذناب خيل شمس اسكنوا في الصلاة".
فلما أمر رسول الله - عليه السلام - بالسكون في الصلاة، وكان رد السلام بالإشارة فيه خروجًا من ذلك لأن فيه رفع اليد وتحريك الأصابع، ثبت بذلك أنه قد دخل فيما أمر به رسول الله - عليه السلام - من تسكين الأطراف في الصلاة، وهذا القول الذي بَيَّنَّا في هذا الباب قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي قد روي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - -فيما ذكرنا من إشارة النبي - عليه السلام - في الصلاة حين سلم عليه عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله كانت نهيًا عن ذلك ولم تكن ردًّا للسلام- نحو من ذلك، أي مثل ونظير لما ذكرنا، بيانه: أن ابن عباس لما سُلم عليه وهو في الصلاة لم يرد عليه وغمز بيده لأجل كراهته هذا الفعل منه، فثبت من ذلك أن الإشارة في الصلاة لأجل رد السلام مكروهة لا ينبغي أن تفعل،