للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده، وإنما يدافعه ويرده من موقفه؛ لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنما يرده إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يرده كَيْلَا يصير مرورًا ثانيًا، وقد روي عن البعض: يرده.

واختلفوا إذا جاز بين يديه وأدركه هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يرده وروي ذلك عن سالم والحسن، وقال أشهب: يرده بإشارة ولا يمشي إليه؛ لأن مشيه أشد من مروره؛ فإن مشي إليه ورده لم تفسد صلاته.

فإن قيل: المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي أو هو من أجل مرور المار؟

قلت: الظاهر أنه من أجل مرور المار، يدل عليه قوله - عليه السلام -: "لأن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه" (١) وقال في حق المصلي: "إن الصلاة لا يقطعها شيء" (٢).

الثالث: أن المقاتلة المذكورة إنما تكون بعد الدفع لاحتمال أن يكون المار ساهيًا أو لم ير المصلي أو لم يتبين له أنه يصلي أو فعله عامدًا؛ فإن رجع حصل المقصود، فإن لم يرجع قوتل وحكى السفاقسي عن أبي حنيفة بطلان الصلاة بالدفع، وهو قول الشافعي في القديم وقال ابن المنذر: يدفع في نحوه أولًا مرة، ويقاتله في الثانية، وقيل: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويؤنبه، وقيل: يدفعه دفعًا شديدًا أشد من الرد منُكِرًا عليه، وهذا كله ما لم يكثر، فإن أكثر فسدت صلاته وضَمَّن عمر بن عبد العزيز رجلًا دفع آخر وهو يصلي فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه.

ص: وقد روي مثل ذلك أيضًا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - عليه السلام -.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن صدقة، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - عليه السلام - قال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدًا يمر بين يديه فإن أبي فليقاتله فإن معه القرين".


(١) متفق عليه من حديث أبي جهيم، البخاري (١/ ١٩١ رقم ٤٨٨)، ومسلم (١/ ٣٦٣ رقم ٥٠٧).
(٢) رواه أبو داود في "سننه" (١/ ٢٤٩ رقم ٧٢٠) من حديث أبي سعيد الخدري من قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>