قوله:"فإنما هو شيطان" قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: الحامل له على ذلك شيطان، يؤيده حديث ابن عمر عند مسلم:"لا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أي فليقاتله، فإن معه القرين".
وعند ابن ماجه:"فإن معه العُزَّى"(١) وقيل: معناه فإنما هو فعل الشيطان لشغل قلب المصلي كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه من قولهم: بئر شطون أي بعيدة، ومنه سمي الشيطان لبعده عن رحمة الله، فسماه شيطانًا لاتصافه بوصفه، كما يقال: فلان الأسد، أي يبطش ويقوى كبطشه وقوته.
قلت: فعل هذا يكون هذا من باب التشبيه البليغ، نحو زيد أسد، شبه المارّ بين يديه بالشيطان لاشتراكهما في شغل قلب المصلي والتشويش عليه.
ثم اعلم أن الشيطان اسم لكل متمرد، قال الجوهري: كل عات متمرد من الإنس والجن والدواب فهو شيطان، فعل هذا يجوز حمل الكلام على ظاهره.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: أن المصلي لا يُمَكن أحدًا من المرور بين يديه لقوله: "فلا يدعن أحدًا يمر بين يديه".
الثاني: أنه يدفع المار مهما أمكن، فإن امتنع عليه فليقاتله بمعنى فليعنف في المنع عنه كما ذكرنا.
وقال النووي: هذا أمر ندب متأكد، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء أوجبه قال القاضي عياض: وأجمعوا أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا ما يؤدي إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم تكون هدرًا فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك.
قال: ابن شعبان عليه الدية في ماله كاملة وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر. ذكره ابن التين.