للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "أيما إهاب دبغ" يتناول سائر الأهب من جلود الميتات وغيرها، حتى إن بعضهم ذهب إلى أن جلد الخنزير أيضًا يطهر بالدباغ؛ لعموم اللفظ، وروي ذلك عن أبي يوسف أيضًا.

قلنا: لم يكن من عادتهم اقتناء الخنازير حتى تموت فيدبغوا جلودها، ولأن نجاسة الخنزير ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل هو نجس العين، فكان وجود الدباغ في حقه وعدمه بمنزلة واحدة، وقيل: إن جلده لا يحتمل الدباغ؛ لأن له جلودًا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي، وقال بعضهم: ولا يتناول الحديث الكلب أيضًا؛ لأنه لم يكن من عاداتهم استعمال جلده.

قلنا: لا يلزم من ترك استعمالهم جلد الكلب أن لا يطهر جلده بالدباغ؛ فالحديث يتناول جلده أيضًا لكونه قابلًا للدباغ.

فإن قيل: ما تقول في جلد الأدمي على هذا العموم؟

قلت: إنما منع ذلك في جلد الأدمي لكرامته واحترامه. وقال القاضي عياض: وقال بعضهم: بل يُخَصُّ هذا العموم بقوله: "دباغ الأديم ذكاته" فأحل الذكاة محل الدباغ، فوجب أن لا يؤثر الدباغ إلا فيما تؤثر فيه الذكاة، والذكاة إنما تؤثر عند هؤلاء فيما يستباح لحمه؛ لأن قصد الشرع بها استباحة اللحم؛ فإذا لم يستبح اللحم لم تصح الذكاة، وإذا لم تصح الذكاة لم يصح الدباغ المشبه به، وقد أشار بعض من انتصر لمذهب مالك إلى سلوك هذه الطريقة، فرأى أن التحريم يتأكد في الخنزير، واختص بنص القرآن عليه، فلهذا لم تعمل الذكاة فيه، فلما تقاصر عنه في التحريم، ما سواه لم يلحق به في تأثيرا الدباغ، وقد سلك هذه الطريقة أيضًا أصحاب الشافعي، ورأوا أن الكلب أُخصَّ في الشرع بتغليظ لم يرد فيما سواه من الحيوان وأُلحق بالخنزير.

قلت: ذهب بعض أصحابنا المحققين إلى هذا، فقالوا: إن الذكاة تحل محل الدباغ فوجب أن يؤثر الدباغ فيما تؤثر فيه الذكاة، والذكاة عندهم تؤثر في التطهير لا في استباحة اللحم، حتى لو ذبح الحمار أو الكلب يطهر، فإذا كان الأمر كذلك أثر

<<  <  ج: ص:  >  >>