للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأة، قالت: ما عندي إلا في قربة لي ميتة، قال: أليس قد دبغتها؟ قالت: بلى. قال: فإن دباغها ذكاتها".

وأخرجه أبو داود نحوه (١): وفي لفظه دباغها طهورها.

وأخرجه البيهقي (٢): من حديث عفان، عن همام، عن قتادة، عن الحسن، عن جون بن قتادة، عن سلمة بن المحبق: "أن النبي - عليه السلام - أتى على بيت قُدَّامه قربة معلقة، فسأل الشراب فقالوا: إنها ميتة، قال: ذكاتها دباغها".

قال: وروينا من حديث حفص بن عمر، عن همام، فقال: "دباغها طهورها". وكذلك قال شعبة عن قتادة.

ص: فقد جاءت هذه الآثار متواترة في طهور جلد الميتة بالدباغ، وهي ظاهرة المعنى، فهذا أولى من حديث عبد الله بن عكيم الذي لم يدلنا على خلاف ما جاءت به هذه الآثار.

ش: أراد بهذه الآثار الأحاديث التي رواها عن ابن عباس، وسودة وعائشة وميمونة أزواج النبي - عليه السلام -، وسلمة بن المحبق - رضي الله عنهم -، وأراد بالتواتر التكاثر والورود بالصحة، فإذا كان كذلك يكون العمل بها أولى من العمل بحديث عبد الله بن عكيم على أن حديث عبد الله عكيم، لا يدل على خلاف ما تدل هذه الأحاديث؛ لأنا قد ذكرنا أن معناه: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ما دام غير مدبوغ، فهذا لا ينافي الانتفاع به بعد الدباغة، فحيئنذ لم يبق لأهل المقالة الأولى تعلق بهذا الحديث، فتكون معاني هذه الأحاديث -إذا صححت- دالة على ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية. فافهم.

ص: فإن قال قائل: إنما كان إباحة دباغ جلود الميتة وطهارتها بذلك الدباغ إنما كان قبل تحريم الميتة.


(١) "سنن أبي داود" (٤/ ٦٦ رقم ٤١٢٥).
(٢) "سنن البيهقي الكبرى" (١/ ٢١ رقم ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>