على أنهم كانوا يمسحون، فنهاهم النبي - عليه السلام -عن ذلك، وأمرهم بالغَسل، وقالوا أيضًا: لو كان غسلاُ لأمرهم بالإعادة لما صلوا. هذا لاحجة فيه لقائله؛ لأنه - عليه السلام - قد أعلمهم بأنهم مستوجبون النار على فعلهم بقوله:"ويل للأعقاب من النار"، ولا يكون هذا إلَّا في الواجب، وقد أمرهم بالغسل بقوله: أسبغوا الوضوء، ولم يأت أنهم صلوا بهذا الوضوء، ولا أنها كانت عادتهم قبلُ؛ فيلزم أمرهم بالإعادة.
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة ... فذكر مثله.
ش: هذا طريق آخر عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن أبي عوانة الوضاح، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذكر عبد الله بن عمرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله - عليه السلام - بإسباغ الوضوء، وخوّفهم فقال:"ويل للأعقاب من النار" فدلّ ذلك أن حكم المسح الذي كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.
ش: المفهوم من كلامه أن معنى قوله: "ونمسح على أرجلنا" هو أنهم كانوا يمسحون عليها مثل مسح الرأس، ثم إنَّ رسول الله - عليه السلام - منعهم عن ذلك، وأمرهم بالغسل، فهذا يدل على انتساخ ما كانوا يفعلونه من المسح، ولكن فيه ما فيه؛ لأن قوله:"ونمسح على أرجلنا" يحتمل أنْ يكون معناه نغسل غسلا خفيفا مُبقَّعا حتى يرى كأنه مسح، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى:"رأى قوما توضئوا وكأنهم تركوا من أرجلهم شيئا" فهذا يدل على أنهم كانوا يغسلون، ولكن غسلا قريبا من المسح، فلذلك قال لهم:"أسبغوا الوضوء" وأيضًا إنما يكون الوعيد على ترك الفرض، ولو لم يكن الغسل في الأول فرضا عندهم لما توجه الوعيد؛ لأن المسح لو كان هو المعمول فيما بينهم كان يأمرهم بتركه وانتقالهم إلى الغسل بدون الوعيد، ومن ذلك قال القاضي عياض: معناه نغسل كما ذكرناه آنفا، والصواب أنْ يُقال: إنَّ أمر رسول الله - عليه السلام - بإسباغ الوضوء، ووعيدَه وإنكاره عليهم في ذلك الغسل