كذلك في المشي أمامها، وحديث البراء يخبر باتباع الجنازة، والاتباع لا يكون إلا إذا كان خلف الجنازة، فكل ذلك يدل على فساد قول الزهري المذكور، وقال ابن شاهين: هذا باب بن مشكل عن القطع فيه بشيء، فيجوز أن يكون مشي النبي - عليه السلام -
بين يدي الجنازة لعلة، وخلفها لعلة، كما كان إذا صلى سلم واحدة فلم كثر الناس عن يمينه وخلا اليسار سلم عن يمينه ويساره، ثم جاءت الرخصة منه بأنه يمشي حيث شاء، وقد جاء في المشي خلفها من الفضل ما لم يجيء في المشي أمامها.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن يسار، عن عمرو بن حريث، قال: قلت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ما تقول في المشي أمام الجنازة؟ فقال علي - رضي الله عنه -: "المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع، قلت: ما لي أرى أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - يمشيان أمامها؟ فقال: إنهما يكرهان أن يحرجا الناس".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي فروة الهمداني، عن زائدة بن خراش، قال: ثنا ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: "كنت أمشي في جنازة فيها أبو بكر وعمر وعلي - رضي الله عنهم -، فكان أبو بكر وعمر يمشيان أمامها، وعلى يمشي خلفها يدي في يده، فقال علي - رضي الله عنه -: أما إن فضل الرجل يمشي خلف الجنازة على الذي يمشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وإنهما ليعلمان من ذلك مثل الذي أعلم، ولكنهما سهلان يسهلان على الناس".
ففي هذا الحديث تفضيل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها، وقوله: "أن أبا بكر وعمر يعلمان من ذلك مثل الذي أعلم" وأنهما إنما يتركان ذلك؛ للتسهيل على الناس، لا لأن ذلك أفضل، وهذا مما لا يقال بالرأي، وإنما يقال ويعلم بما قد وقفهم عليه رسول الله - عليه السلام - وعلمهم إياه من ذلك.
فقد ثبت بتصحيح ما روينا أن المشي خلف الجنازه أفضل من المشي أمامها.