للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكتاب لكان مغيًّا إلى الكعبين كالغسل، وليس كذلك، وأجابوا عن قراءة الجرّ بأن الأرجل في محل النصب أيضًا بالعطف على الوجه فيكون مغسولا، فلا تعارض، وإنما صار مجرورا للمجاورة، وقيل: المراد بالمسح في حق الرجل الغسل، ولكن أُطلق عليه لفظ المسح للمشاكلة، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (١) وقيل: إنما ذكر بلفظ المسح؛ لأن الأرجل من بين سائر الأعضاء مظنة إسراف الماء بالصبّ، فعطف على الممسوح، وإنْ كانت مغسولة على وجوب الاقتصاد في الصبّ لا لتُمْسح، وجيء بالغاية فقيل: إلى الكعبين إماطة لظن ظان يحسبها أنها ممسوحة؛ إذ المسح لم تصرف له غاية، وإليه أشار العلامة الزمخشري في "الكشاف"، واعترض عليه بأنا لا نسلم أنّ العطف لا لتمسح؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة، وقوله: إماطة لظن ... إلى آخره، غير مسلم أيضًا لأن الحكم الشرعي لا يعلم كيفيته وكميته إلَّا بالشرع، فننتهي إلى ما أنهانا الشارع إليه، وما قاله تعليل في معارضة النص، وهو فاسد، وأيضًا لو كان لتعليله أثر لم يُقرأ بالنصب، وقد ظهر فساد علّته لتخلف المعلول عن العلة، على تقدير قراءة النصب، وها هنا سؤال، وهو أنْ يقال: المسح في المعطوف عليه للإصابة حقيقة، وفي المعطوف إذا جعل للغسل مجاز، فيكون جمعا بين الحقيقة والمجاز.

وأجيب بأن المسح الذي يُعبّر به عن الغسل هو لفظ المسح المقدر الذي تدل عليه الواو التي في قوله: {وَأَرْجُلَكُمْ} فحينئذ لا يلزم ذلك في لفظٍ واحدٍ.

ص: وقد اختلف في ذلك أصحاب رسول الله - عليه السلام - فمن دونهم، فمما روي عنهم في ذلك ما:

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، عن قيس، عن عاصم، عن زِرٍّ: "أنَّ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قرأ {وَأَرْجُلَكُمْ} بالفتح".


(١) سورة الشورى، آية: [٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>