للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخفض محتملة؛ لأنه يحتمل عطفها على الرؤوس حقيقة ومحلها الخفض، وعلى الوجه واليدين حقيقة ومحلها النصب إلَّا أنها خفضت للمجاورة كما في: "جُحْر ضبٍّ خرب"، والخرب نعت للجحر لا للضبّ، فكانت قراءة النصب أرجح، إلَّا أن فيه إشكالا وهو أن الكلام في حد التعارض؛ لأن قراءة النصب محتملة أيضًا في الدلالة على كون الأرجل معطوفة على اليدين والوجه؛ لأنه يحتمل أنَّهَا معطوفة على الرأس، والمراد بها المسح حقيقة، لكنها نصبت على المعنى لا على اللفظ؛ لأن الممسوح به مفعول به فصار كأنه: فامسحوا رؤوسكم، والإعراب قد يتبع اللفظ وقد يتبع المعنى، فحينئذ يُصلب الترجيح من وجه آخر، وذلك من وجوه:

أحدها: أنَّ الله مدّ الحكم في الأرجل إلى الكعبين، ووجوب المسح لا يمتد إليهما.

الثاني: أنَّ الغَسْلَ يتضمن المسح.

والثالث: أنه روى عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال: "ويل للأعقاب من النار" والوعيد لا يُستحق إلَّا بترك الواجب، والحكم في تعارض القراءتين كالحكم في تعارض الآيتين، فإنْ أمكن العمل بهما مطلقا يعمل، وإلَّا يعمل بالقدر الممكن، وها هنا لا يمكن الجمع بين الغسل والمسح في عضو واحدٍ في حالة واحدةٍ؛ لأنه لم يقل به أحد، ولأنه يؤدي إلى تكرار المسح؛ لأن الغسل يتضمن المسح، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار فيحمل في حالتين، فتُحمل قراءة النصب على ما إذا كانت الرِّجْلان باديتان، وقراءة الخفض على ما إذا كانتا مستورتين بالخفن؛ توفيقا بين القراءتين، وعملا بهما بالقدر الممكن. انتهى.

فإنْ قيل: لا يستقيم الحمل على هذا الوجه؛ لأن قراءة الجر تقتضي المسح على الرجل دون الخف.

قلت: لما أقيم الخف مقامه كان المسح على الخف كالمسح عليه، وإنما أضيف المسح إلى الرجل دون الخف لئلا يوهم جواز المسح على الخف بدون اللبس، وهذا على اختيار بعض المشايخ الذين أثبتوا جواز المسح على الخف بالكتاب، ولكن الجمهور منهم أثبتوه بالسُّنة المشهورة دون الكتاب وقالوا: لو كان ثابتا

<<  <  ج: ص:  >  >>