وفعلا، أما الأول فهو ما ثبت بالنقل المستفيض المتواتر أنه - عليه السلام - غسل رجليه في الوضوء، ولم تختلف الأمة فيه، فصار ذلك واردا مورد البيان، فإذا ورد فعله على وجه البيان فهو على الوجوب، فثبتَ أن ذلك مراد الله بالآية.
وأما الثاني فما روى جابر وأبو هريرة، وعائشة، وعبيد الله بن عمر وغيرهم:"أن النبي - عليه السلام - رأى قوما تلوح أعقابهم لم يصبها الماء، فقال: ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء"(١) وتوضأ النبي - عليه السلام - مرة فغسل رجليه وقال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلَّا به"(١) وأيضًا فلو كان المسح جائزا لما أخلاه النبي - عليه السلام - من بيانه إِذ كان مراد الله في المسح كهو في الغسل، فكان يجب أنْ يكون مسحه في وزن غسله، فلما لم يرد عنه المسح حسب وروده في الغسل؛ ثبت أن المسح غير مراد.
وأيضًا فإن القراءتين كالآيتين في أحداهما الغسل وفي الأخرى المسح لاحتمالهما للمعنيين، فإذا وردت آيتان إحداهما توجب الغسل، والأخرى توجب المسح، لما جاز ترك الغسل إلى المسح؛ لأن في الغسل زيادة فعل وقد اقتضاه الأجر بالغسل، فكان يكون حينئذ يجب استعمالها على أعمّهما حكمًا، وأكثرهما فائدة وهو الغسل؛ لأنه يأتي على المسح، والمسح لا يتضمن الغسل، وأيضًا لما حَدّد الرجلين بقوله:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} كما قال: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} دلّ على استيعاب الجميع كما دلّ ذكر الأيدي إلى المرافق على استيعابهما بالغسل، وذكر صاحب "البدائع" ما ملخّصه: أن من قال بالمسح أخذ بقراءة الخفض، ومن قال بالتخيير يقول: إنَّ القراءتين ثابتتان، وقد تعذر الجمع بينهما بأن يجمع الغسل والمسح إِذ لا قائل به من السلف فيتخير، وأيهما فعل يكون آتيا بالمفروض، ومن قال بالجمع يقول: القراءتان في آية واحدة كالآيتين، فيجب العمل بهما جميعًا ما أمكن، وهنا أمكن لعدم التنافي بين الغسل والمسح في محل واحد، فيجب الجمع، ولنا قراءة النصب وأنها ترجح؛ لأنها محكمة في الدلالة على كون الأرجل معطوفة على المغسول، وقراءة